أسقطت مصالح الداخلية أكثر من 700 ألف مسجل في القوائم الانتخابية، بين متوفين ومزدوجي التسجيل (فاق عدد المتوفين الذين تم شطبهم 430 ألف اسم). مجهود كبير ثمنته الأحزاب وباركته هيئة مراقبة الانتخابات، في سد باب كبير طالما ظلت هذه الأحزاب، لا سيما غير الفائزة منها في عديد الاستحقاقات، تستعمله كورقة تشكيك في النتائج وتضخيم النسب. ما قامت به الداخلية بفضل الثورة الرقمية، والذي سيتعزز بحلول عام 2022 بالانتقال إلى انتخابات ببطاقة الهوية البيومترية، والاستغناء كلية عن البطاقة التقليدية، يعتبر خطوة جبارة للإدارة الجزائرية ضمن حرصها على ضمان نزاهة ومصداقية الانتخابات التشريعية القادمة. هذه الخطوة العملاقة التي خطتها مصالح الداخلية والتي تعكس كفاءة التسيير الإداري الذي بلغته هذه المصالح بفضل تجسيد مسار العصرنة، تترجم الإرادة الصارمة في إجراء تشريعيات شفافة ونزيهة وحقيقية تجسيدا لدستور 2016 وللتعليمات الصارمة التي أعطاها رئيس الجمهورية من أجل إنجاح هذا الموعد الانتخابي والانتقال إلى مرحلة جديدة في تكريس العمل السياسي وتجذير الديمقراطية كممارسة وكمعايشة دون شبهات. كما تعكس هذه الثورة الرقمية التي خاضتها مصالح الداخلية في تطهير القوائم الانتخابية، الاندماج الكلي للجزائر في عهد الرقمنة تتجلى هذه القفزة النوعية في ما نواكبه في عملية التحضير للانتخابات، حيث استغلت الجزائر، لأول مرة، مزايا التكنولوجيا المتطورة للإعلام والاتصال في مراجعة وتطهير القوائم الانتخابية، معبدة الطريق بذلك إلى مراحل أكثر استخداما لهذه التكنولوجيات التي أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية أهميتها في بناء دولة الحق والقانون. في انتظار بلوغ مرحلة تجسيد الحكومة الالكترونية، التي ستخطو خطوتها العملاقة مع تفعيل مسعى الاستخدام متعدد الوظائف للرقم التعريفي الموحد ولبطاقة الهوية البيومترية التي يرتقب أن تتحول في غضون ال5 سنوات القادمة إلى مفتاح موحد لولوج كافة الخدمات العمومية، بما فيها تمكين المواطن من حقه في الانتخاب، لنصل بذلك بفضل هذه الوسائل المتطورة إلى تكريس العلاقة الوطيدة بين الرقمنة والعصرنة والأنسنة. استفادت مصالح الداخلية والجماعات المحلية من تقدم برنامجها لتطوير وعصرنة تسيير الوثائق البيومترية ورقمنة السجل الوطني للحالة المدنية في عملية مراجعة القوائم الانتخابية والتي جرت آخرها خلال الفترة الممتدة من 8 إلى 22 فيفري الماضي، حيث تمت عملية تطهير هذه القوائم هذه المرة بطريقة بسيطة شملت إجراء تقاطع بين القوائم الانتخابية وسجل الحالات المدنية لضبط عدد المسجلين الجدد من جهة، وعدد المتوفين والمسجلين أكثر من مرة في القوائم من جهة أخرى. هذه العملية التي طبعتها الدقة في المعالجة وسمحت باستكمال المعلومات الناقصة وتصحيح بعض الأخطاء المسجلة، مكنت لأول مرة من شطب أزيد من 700 ألف مسجل بين متوفين ومزدوجي التسجيل في القوائم الانتخابية بالجزائر، وذلك في إطار المراجعة العادية والاستثنائية لهذه القوائم، مع الإشارة إلى أن عدد المتوفين الذين تم شطبهم في إطار التطهير، فاق ال430 ألف اسم. الأهمية الكبيرة التي تعبر عنها هذه النتائج المحققة بفضل استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال واستغلال القاعدة الرقمية التي وضعت أسسها مصالح الداخلية في السنوات الأخيرة، تجد كل فحواها في تعابير الارتياح التي أعربت عنها كل من الأحزاب والتشكيلات المشاركة في الموعد الانتخابي المرتبط بالتشريعيات وكذا الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي استحسن رئيسها عبد الوهاب دربال هذه النتيجة غير المسبوقة في تاريخ الجزائر المستقلة على حد تعبيره، لافتا إلى أن تطهير الهيئة الناخبة يعتبر شرطا أساسيا في تكريس نزاهة وشفافية الانتخابات. المعالجة الآلية للتصدي للتلاعبات وضمان نزاهة الانتخابات بالفعل، إن المعالجة الآلية للمعلومات والمعطيات الأساسية، ترفع كل حالات اللبس التي يمكن أن تتسبب فيها السلوكات «المريبة» للأشخاص، لتنهي بذلك الجدال الكبير الذي ترتبت عليه في وقت سابق حالات التشكيك في «التلاعب بأصوات الموتى، وحالات التصويت أكثر من مرة من قبل نفس الناخبين». ولتعزز بذلك السلطات العمومية بما لا يدع مجالا للشك، إرادتها الحقيقية في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية، لا تدع أي فرصة للمشككين في الطعن فيها. هذه المصداقية، وجدت دعامتها أيضا في عملية الرقمنة التي استفادت منها مصالح القضاء بدورها، حيث عملت المحاكم الإدارية بمناسبة معالجتها للطعون المقدمة من قبل المترشحين الذين رفضت الإدارة ملفاتهم لأسباب ترتبط بالسوابق العدلية، من إجراء معاينة ومراقبة دقيقة بالاعتماد على السجل الوطني الآلي للسوابق العدلية، ما مكن من إنصاف العديد من المترشحين الذين أخطأت في حقهم الإدارة، وتأكيد قرارات الرفض بالنسبة للأشخاص الذين تم إثبات العوارض القانونية التي تحول دون تقدم ترشحهم لهذا الموعد الانتخابي الهام. التصويت ببطاقة الهوية بعد 5 سنوات لم يخف وزير الداخلية والجماعات المحلية، بمناسبة عرضه لحيثيات التحضير للانتخابات القادمة، اعتزاز مصالحه بتحقيق هذه الخطوة العملاقة في مجال تطهير القوائم الانتخابية، مشيرا إلى أن هذا المسعى الذي يندرج ضمن برنامج تفعيل الحكومة الالكترونية، سيتعزز خلال السنوات القادمة، للوصول بعد استكمال إصدار 35 بطاقة هوية بيومترية وتوزيعها على كافة المواطنين في غضون السنوات الأربع القادمة إلى مرحلة الاستخدامات المتعدد لهذه البطاقة، ومنها تمكين المواطن من استعمالها في الانتخاب، بدلا من استعمال بطاقة الناخب الحالية. استنادا إلى ما كشفه المسؤول الأول عن قطاع الداخلية، فإن بطاقة الهوية البيومترية التي تضم شريحة إلكترونية، ستتم تعبئتها بنحو 11 تطبيقة إعلامية تمكن المواطن الجزائري من الاستفادة من العديد من الخدمات الأساسية، بما فيها حقه في التصويت، وذلك انطلاقا من الرقم التعريفي الموحد، الذي سبق وأن مكن الحاملين من جوازات سفر بيومترية من الحصول على بطاقات الهوية دون إيداع أي ملف إداري ولا حتى التنقل إلى المصالح الإدارية، التي اكتفت باستغلال تكنولوجيا التواصل عبر الهواتف النقالة لإبلاغ المعنيين بأن بطاقاتهم تم إصدارها ودعتهم لسحبها. بدوي الذي استند إلى تصريح الوزير الأول، عبد المالك سلال، في الاجتماع الأخير للحكومة الذي خصص لدراسة ملف الاستثمار، حيث أعلن بان «الجزائر ستصل إلى تطورها الحقيقي، عندما يتمكن المستثمرون والمتعاملون من الاطلاع على كل المعطيات المرتبطة بالاستثمار على مستوى إقليمهم، بالاعتماد على تكنولوجيات الإعلام والاتصال ودون مشقة التنقلات والاصطدام بالعراقيل الإدارية»، أبرز العلاقة الوطيدة الكامنة بين مسار العصرنة والرقمنة، ومسعى أنسنة التعاملات الإدارية، مؤكدا بأن تطوير استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، يعتبر بفضل مزاياه العديدة، رهانا آخر قررت السلطات العمومية خوضه ضمن مسعى بناء دولة الحق والقانون، وعزمت على تجسيده في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها في الفترة الأخيرة مع بداية تجسديها لمسار بناء الاقتصاد الرقمي وإرسائها لدعائم مجتمع المعرفة. كافة المساعي والورشات التي فتحتها القطاعات الوزارية لتوسيع مسار العصرنة، من شأنها إلحاق الجزائر بركب الدول المتطورة التي وصلت إلى جعل الهاتف الذكي أقرب وأنفع صديق للمواطن، بفضل ما توفره التكنولوجيا المتطورة من خدمات، تسهل الحياة اليومية للمواطن، وتقرب المسافات البعيدة. وهي غاية يتطلع إليها الجزائريون وتصنفها المؤسسات العالمية المختصة ضمن الحقوق الأساسية التي ينبغي أن توفرها الدولة لمواطنيها. وبالرغم من التأخر المسجل في الميدان في هذا المجال، إلا أن تصنيف الجزائر من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية في المرتبة 103 متقدمة ب12 مرتبة، في مؤشر تطوير تكنولوجيات الإعلام والاتصال لسنة 2016، وكذا النتائج التي يتم تحقيقها بشكل تدريجي في مسار العصرنة خلال الفترة الأخيرة، تبعث على التفاؤل بخصوص إمكانية تجسيد برنامج الحكومة الإلكترونية قبل 2030، ليبقى الانشغال الذي يظل ينتاب العديد من الفئات بما فيها بعض التشكيلات السياسية، محصورا في الجانب المتعلق بتأمين الاستعمال التكنولوجي، والقدرة على تفادي «التزوير الالكتروني» الذي أثاره أحد رؤساء الأحزاب في حديث سابق ل«المساء». هذا الانشغال الذي يعد مشروعا، تدعمه الجهود الكبيرة التي تبذلها مختلف المصالح الأمنية الوطنية، التي لم تتأخر في تطوير قدراتها العملية، للتصدي لمختلف أنواع الجرائم الإلكترونية، حتى أن النتائج المحققة والحصائل المعلن عنها في هذا المجال، تبرز بما لا يدع أي شك، التحكم الكبير لهذه المصالح في معالجة القضايا المرتبطة بهذا النوع من الجرائم.