سيكون بإمكان المواطنين المتقاضين ابتداء من سنة 2019، الطعن في مطابقة النصوص القانونية مع أحكام الدستور من خلال آلية الدفع بعدم دستورية القوانين التي تم استحداثها ضمن التعديل الدستوري الأخير، والتي تدخل حيز التطبيق بموجب قانون عضوي موجود حاليا قيد الإنجاز على مستوى الحكومة. أكد المتدخلون في الملتقى الدولي حول موضوع «الدفع بعدم الدستورية، تبادل التجارب والممارسات الجيدة» الذي نظمه المجلس الدستوري بالجزائر أمس، أن هذه الآلية التي ستدخل حيز التطبيق بعد مرور ثلاث سنوات من صدور الدستور الجديد الذي نص عليها، يجري التحضير للقانون العضوي الخاص بها، حيث يوجد حاليا قيد الإعداد والدراسة على مستوى الحكومة قبل عرضه على البرلمان. ويأتي استحداث هذه الآلية الجديدة تحديدا في المادة 188 من التعديل الدستوري ل 2016، التي تنص على أنه يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية، أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع، ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. مراد مدلسي رئيس المجلس الدستوري أوضح خلال الملتقى، أن تحديد شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة سيكون بموجب القانون العضوي الذي يجري تحضيره حاليا. وبمقتضى هذا النص سيكون بإمكان المواطن المتقاضي الدفع بعدم مطابقة النصوص القانونية المطعون فيها مع أحكام الدستور، بحيث يتم ذلك أمام المحكمة العليا التي تحيلها بدورها على المجلس الدستوري إذا ما تعلق الأمر بقضية تندرج ضمن القانون العام، فيما يكون الدفع أمام مجلس الدولة، الذي يحيلها بدوره على المجلس الدستوري إذا ما اندرج النزاع ضمن القانون الإداري. للإشارة، فإن المجلس الدستوري تجري مداولاته في هذا الإطار في جلسة مغلقة، على أن يعطي رأيه أو يصدر قراره خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإخطار. كما أنه في حال وجود طارئ وبطلب من رئيس الجمهورية، يخفّض هذا الأجل إلى عشرة أيام مثلما تتضمنه المادة 189 من الدستور المعدل، علما أن آراء المجلس الدستوري وقراراته تكون نهائية وملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات الإدارية والقضائية، بما فيها القضاء العسكري المعني هو الآخر بهذه الآلية. وتعد هذه الآلية من أبرز التعديلات التي طرأت على مجال الرقابة الدستورية، حسبما أكد السيد مدلسي، الذي قال إنها تمثل خطوة عملاقة نحو ضمان وتطوير وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في دولة القانون، مذكرا بأن المجلس الدستوري بدأ منذ شهور بتنظيم محاضرات وندوات مشتركة مع عدد من المحاكم والمجالس الدستورية من بعض الدول، كفرنسا، أندونيسيا وروسيا للاستفادة من تجاربهم لتوسيع الرؤية والتوصل إلى فهم أفضل وتطبيق فعال للإجراء القانوني الجديد، معلنا أن هذه المهمة ستتواصل بتنظيم ندوات بالتعاون مع المؤتمر الإفريقي للهيئات القضائية الدستورية الإفريقية في أكتوبر القادم. وفي هذا السياق دعا السيد فرنسيس دلبيري عضو في مجلس النواب ببلجيكا، إلى فتح دورات تكوينية لفائدة كل المتدخلين في الحقل القضائي، خاصة المحامين الذين يعدون وسيطا بين القاضي والمتقاضي لرسكلتهم وكسبهم معارف جديدة، تمكنهم من التعامل مع هذه الآلية الجديدة، مشيرا إلى أن أي تجاهل لهذه الآلية وعدم تطبيقها عند دخولها حيز التطبيق يُعتبر خطأ مهنيا من طرف المحامي وتقصيرا في حق موكله. وأضاف المتحدث أن الجزائر مطالبة بفتح ورشة نقاش موسعة، وتعزيز التكوين بالاستفادة من تجارب البلدان التي كانت سبّاقة لإقرار آلية الدفع بعدم الدستورية، وذلك للإسراع في تطبيقها وإلا سيستغرق التحكم فيها مدة طويلة جدا. ومن جهته، أكد السيد إيريك أفرفست ممثل برنامج الأممالمتحدة للتنمية المقيم بالجزائر، أن هذه الآلية أعطت متنفسا جديدا للمؤسسات الجزائرية وللمواطنين، مشيدا بالإصلاحات التي أقرها الدستور الجديد في المجال السياسي والاقتصادي، والتي عززت دولة القانون ووسعت مجال الحقوق والحريات.