لم يسبق أن عرف موقع "تويتر" إغراقا بالرسائل النصية بمثل ما عرفه خلال اليومين الماضيين، ردا على التصريحات العنصرية والنعوت "الهابطة" التي استعملها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وصف الدول الإفريقية وأخرى من أمريكا اللاتينية. وتوالت زلات الرئيس الأمريكي وهفواته «المقصودة» التي لم يسبق لرئيس أمريكي، مر على البيت الأبيض أن وقع فيها بمثل الخرجات الصادمة التي ما فتئ الرئيس الحالي الوقوع فيها ليتأكد للأمريكيين قبل غيرهم أنهم انتخبوا رئيسا لا يرقى لصورة الولاياتالمتحدة، القوة الأولى في العالم. وهو ما عبّر عنه نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، الذي أكد أنه «ليس بهذه الطريقة يتحدث رئيس أمريكي أو يتصرف والأكثر من ذلك فهي ليست طريقة للتفكير»، في طعن واضح من مختلف الشرائح الأمريكية لمثل ما تلفظ به الرئيس ترامب. وفجرت صحيفة «واشنطن بوست» قنبلة شديدة المفعول عندما نشرت موضوعا أكدت من خلاله أن الرئيس ترامب، أدلى بتصريح صدم من حضروا اجتماعا لأعضاء الكونغرس من الحزبين تم خلاله بحث التعديلات التي يريد إدخالها على قانون الهجرة الذي مرره الرئيس الأمريكي السابق متسائلا: «لماذا يأتي كل «هؤلاء الحثالة من المهاجرين» الوافدين علينا من البلدان الإفريقية وهايتي والسلفادور بدلا من استقبال مهاجرين من النرويج»، قبل أن يضيف: «هل نحن في حاجة إلى مزيد من الهايتيين؟. وكان ذلك كافيا لأن يشعل شبكات التواصل الاجتماعي التي التقى مستخدموها من كل الأصقاع ليجمعوا كلهم على وصف الرئيس الأمريكي ب«العنصري» المعادي للأجنبي والناكر لجهد أجيال من الأفارقة والأمريكو لاتينيين الذين صنعوا مجد أمريكا في شتى المجالات. فبعد قراراته الارتجالية وطعنه في كل القرارات التي اتخذها سابقه باراك أوباما، من اتفاقية المناخ بباريس، ووصولا إلى تهديداته بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران تجاوز الرئيس الأمريكي أول أمس، كل الخطوط الحمراء عندما نعت إفريقيا ب«ببلد ..» أكرمكم الله في تصرف لا يليق بشخص عادي، أما أن يكون رئيس دولة تربعت على قيادة العالم منذ أكثر من سبعة عقود فذلك يخرج عن نطاق التصور. وكان اتهام إفريقيا وبلدانها بمثل هذا الوصف بمثابة صدمة والقطرة التي أفاضت كأس الغضب الممزوج بحيرة لدى الدول الإفريقية، وجعلت كل العالم يتساءل هل من المنطقي التعامل مع رئيس اندفاعي ولا يعير لكلماته أية أهمية إلى الحد الذي يتناسى فيه أنه رئيس دولة اسمها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعمل منذ توليه مقاليد الحكم فيها قبل عام بالإساءة إلى صورتها بدلا من خدمتها. وهي الصدمة التي جعلت سفراء الدول الإفريقية الأربعة والخمسين يعقدون اجتماعا طارئا للرد على نعت بلدانهم ب«بلدان الحثالة»، وأكدوا في بيان أنهم صدموا للعبارات التي تلفّظ بها الرئيس ترامب، وعبّروا عن تنديدهم للملاحظات الصادمة والعنصرية والتي حملت كل عبارات الكراهية ضد كل ما هو أجنبي» وطالبوه بتقديم اعتذار رسمي على ما بدر منه. ولم يقتصر الاستنكار على الدول الإفريقية لوحدها من منطلق أن تصريحات رئيس الإدارة الأمريكية مست مشاعر كل الناس وصدم بها كل دول العالم التي نعتت ما تلفظ به ب«العنصرية» و «المقززة»، وهو ما جعل ردود الفعل المستنكرة تتوالى من كوبا وهايتي وفنزويلا والسلفادور التي أدانت مثل هذا النعت ووصفته بالعنصري وغير المقبول. كما استنكرت المحافظة الأممية السامية للاجئين والمحافظة السامية الأممية لحقوق الإنسان، العبارات العنصرية والصادمة التي استعملها الرئيس الأمريكي. ولم ينكر الرئيس الأمريكي انه تلفّظ بعبارات حادة تجاه المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية ولكنه نفى أن يكون تلفّظ بعبارة الحثالة أو «،،،،» في موقف دحضه النائب الديمقراطي ديك ديربان، الذي كان حاضرا خلال الاجتماع وقال إن ترامب، ردد تلك العبارات الجارحة عدة مرات. والمفارقة أن الرئيس الأمريكي تلفّظ بمثل هذه النعوت وهو يخوض معركة شرسة مع نواب الكونغرس، وقد فشل في إقناعهم بمسعاه لإدخال تعديلات على قانون الهجرة الأمريكي وخاصة إلغاء القرعة السنوية التي دأبت كتابة الخارجية على تنظيمها سنويا لتمكين مهاجرين جدد على المجيء إلى الولاياتالمتحدة. والمفارقة الأخرى أن الرئيس الأمريكي تهجم على المهاجرين في نفس اليوم الذي وقّع فيه على مرسوم فيدرالي لإحياء ذكرى اغتيال مارتن ليثر كينغ، زعيم السود الأمريكيين وجعله يوم عطلة في كل الولاياتالمتحدة، واصفا إياه بالرجل الذي غير مجرى التاريخ، ولا يستبعد أن ترامب، لا يعرف لون بشرة كاسر هيمنة البيض على السود في الولاياتالمتحدة، ونسي أنه من أصول إفريقية وأن أجيالا من بني جلدته السوداء حملوا لواء بناء أمريكا وإيصالها إلى ما وصلت إليه اليوم.