توفي المجاهد مصطفى بن عودة المدعو «عمار»، آخر عضو من مجموعة ال22 التي فجرت الثورة التحريرية، أمس، عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع مع المرض بمستشفى بروكسل، حسبما علم من أقاربه. وبهذه المناسبة الأليمة، توالت برقيات التعازي على عائلة الفقيد والأسرة الثورية، منوهة بخصال الرجل الذي يعد من أهم الشخصيات التاريخية التي تعتز بها الجزائر. إلى جانب كونه عضوا في مجموعة 22 التي اجتمعت بالمدنية بالجزائر العاصمة بتاريخ 25 جويلية 1954 لتحضير تفجير الثورة التحريرية، يعد المجاهد الراحل أحد أعضاء الوفد الجزائري الذي أدار مفاوضات إيفيان مع فرنسا الاستعمارية. المجاهد بن عودة الذي ولد في 27 سبتمبر 1925 بمدينة عنابة، رفع في 11 مارس 1937 العلم الوطني في مظاهرة بمناسبة تأسيس حزب الشعب الجزائري، ردا على حل نجم شمال إفريقيا في أواخر جانفي من نفس السنة. وفي الفترة ما بين 1936-1937، ومع ظهور الحركة الكشفية، انخرط بن عودة في فوج «المنى» وأصبح يعمل فيها بسرية إلى أن ألقي عليه القبض لأول مرة رفقة مناضلين في سنة 1944، حيث صدر ضده الحكم بالسجن لمدة عامين و60 ألف فرنك فرنسي كغرامة وخمس سنوات منع للإقامة. وفور خروجه من السجن، استدعاه الحزب رفقة مرافقيه، لاستئناف النشاط النضالي إلى أن انعقد مؤتمر حزب الشعب في منتصف فيفري لإنشاء المنظمة الخاصة، وتم الاتصال بالمناضل بن عودة المدعو عمار من قبل الجيلالي بلحاج الذي أطلعه على قرار تأسيس المنظمة والأهداف التي ترمي إليها، كما أخبره بقرار اختياره ليكون مسؤولا عن التنظيم عن قطاع عنابة وضواحيها. وواصل بن عودة نضاله إلى أن تم القبض عليه للمرة الثانية سنة 1950 إثر عملية تبسة، ليسجن مدة 13 شهرا في السجن الكبير بعنابة ما بين 1950 إلى غاية 1951، حيث خطط ونفد عملية هروب مع رفقاء آخرين من بينهم عبد الباقي بخوش وسليمان بركات وزيغود يوسف الذي أسر بنفس التهمة في 21 أفريل من نفس السنة. وتمت هذه العملية بواسطة صنع مفاتيح لأبواب السجن بفضل مهارة زيغود يوسف الذي كان يتقن حرفة النجارة والحدادة. وانضم الفقيد بن عودة إلى «اللجنة الثورية للوحدة والعمل»، إلى جانب زيغود يوسف وديدوش مراد والتي تكونت نتيجة الأزمة التي كان يعاني منها حزب الشعب، لكن بمجرد ظهور مؤشرات فشلها، سعى كل من ديدوش مراد وزيغود يوسف ومصطفى بن عودة إلى المشاركة في بلورة فكرة اندلاع الثورة، حيث كان المجاهد بن عودة من بين الذين شاركوا في اجتماع ال22، كما ساهم في كتابة بيان أول نوفمبر، من خلال الاستعانة بمناضلين من المنظمة السرية. وبعد اندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة، اجتمع زيغود يوسف وبن طوبال وبن عودة لتقييم الوضع، خاصة بعد استشهاد عدد من المجاهدين على رأسهم باجي مختار، ديدوش مراد واعتقال آخرين. ومن أجل إعادة الاطمئنان إلى نفوس المجاهدين وتشجيعهم على مواصلة الكفاح المسلح وربط الثورة بالشعب، قام هؤلاء بتنصيب عدة كمائن ضد القوات الاستعمارية وتنفيذ عدة هجومات كهجوم 20 أوت 1955 الذي كان له صدى كبيرا في الأوساط الفرنسية وفئات الشعب الجزائري. تواصلت نشاطات سي عمار إلى أن شارك في مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، الذي يعد حسب رأيه بمثابة البيان الثاني لأول نوفمبر. وواصل سي عمار نشاطاته النضالية في لبنان، حيث كانت له علاقات مع الطلبة ومناضلي مكتب جبهة التحرير الوطني في هذا البلد. وبعد أن قضى 3 أشهر في لبنان، عاد إلى تونس وأصبح مسؤولا عن التسليح والاتصالات العامة، ثم شارك مع الوفد الثاني لاتفاقيات إيفيان، وعين كممثل لجيش التحرير الوطني. بعد الاستقلال، تقلد المجاهد الراحل منصب ملحق عسكري في القاهرة ثم باريسوتونس، وبعدها سفيرا في ليبيا سنة 1979. ومنذ المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني، شغل بن عودة منصب رئيس لجنة الانضباط بالحزب، وأخيرا منصب رئيس مجلس الاستحقاق الوطني أثناء فترة الرئيس الشاذلي بن جديد. بن صالح: بن عودة يحمل شرف نخبة من الرجال وعلى إثر الفاجعة التي أصابت الجزائر برحيله، أشاد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بمناقب المجاهد عمار بن عودة، منوها بنضالاته وتضحياته إبان الثورة التحريرية وبعد الاستقلال، وتميزه بشرف نخبة من الرجال الوطنيين الكبار الذين ضمتهم مجموعة ال22، التي أصدرت بيان أول نوفمبر. وفي برقية تعزية بعث بها إلى عائلة المرحوم، شدّد السيد بن صالح على أن المجاهد بن عودة يحمل «شرف نخبة من الرجال الوطنيين الكبار الذين شكلوا في خمسينيات القرن الماضي، النواة الذهبية الصلبة لاندلاع الكفاح المسلح، عندما أصدرت مجموعة ال22، وهو منهم، بيان أول نوفمبر». وأضاف رئيس مجلس الأمة «وإن كانت الكلمات تظل قاصرة عن إيفاء مثل هؤلاء الرجال ما يستحقون من إجلال وتقدير، نظير بلائهم وتضحياتهم الوطنية، فإن التاريخ سيحتفظ بأسمائهم منارات ومعالم ترسم الأجيال على هديها الخطوات نحو المستقبل». كما عدد بن صالح مناقب الفقيد مؤكدا أنه «من معدن جيل الطليعة ومن طينة رجال الصف الأول»، مذكرا بنشأته «متشبعا بذلك الرصيد الوطني المنبثق من نضالات الحركة الوطنية الذي توجته ثورة نوفمبر المظفرة»، ليواصل بعدها على نفس النهج خلال تقلده لمختلف المهام والمسؤوليات التي أوكلت إليه، حيث كان طيلة حياته «كتابا مفتوحا لأحداث ووقائع وثق لها في العديد من المناسبات». بوحجة: الجزائر تفقد رجلا بارزا ارتبط اسمه بالتحرير والبناء عدد رئيس المجلس الشعبي الوطني في برقية تعزية بعثها إلى أسرة المجاهد الراحل مصطفى بن عودة، خصال هذا الأخير وتفانيه في النضال والكفاح من أجل استقلال الجزائر وكذا في بنائها. وجاء في برقية رئيس المجلس الشعبي الوطني أن المرحوم الذي كان ضمن مجموعة ال22 التاريخية التي فجرت الثورة التحريرية، وأحد قادة المنطقة التاريخية الثانية، شارك في عدة معارك من بينها هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، وهو أحد أعضاء الوفد الجزائري الذي أدار مفاوضات إيفيان مع المستعمر الفرنسي، ليواصل بعد الاستقلال في مختلف مواقع المسؤولية التي تقلدها أهمها سفيرا للجزائر في ليبيا ثم رئيسا لمجلس الاستحقاق الوطني مؤديا الأمانة على أكمل وجه. وأضاف بوحجة إلى أنه «أمام هذا المصاب الجلل الذي تفقد فيه الجزائر أحد أبرز رجالها الذين ارتبط اسمهم بكل المحطات الهامة لثورة أول نوفمبر المجيدة قبل اندلاعها وفي خضمها وإلى غاية استرجاع السيادة الوطنية وبناء الدولة، أتقدم لكم باسمي ونيابة عن كل النواب في المجلس الشعبي الوطني بأصدق التعازي وأخلص المواساة داعيا المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد الغالي بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جنانه..». وزير المجاهدين: الفقيد يعد قطبا من أقطاب الوطنية من جهته، نوه وزير المجاهدين الطيب زيتوني خلال تواجده بولاية عنابة في إطار زيارة عمل، بخصال المجاهد الكبير وعضو مجموعة ال22 ، مؤكدا أن المجاهد الراحل يعد «قطبا من أقطاب الوطنية ومن مخططي ومنظري الكفاح المسلح ضمن مجموعة ال22 التاريخية المباركة المفجرة للثورة التحريرية المجيدة». وعرج الوزير على أهم المراحل التي ميزت المسار النضالي للفقيد «سي عمار»، حيث كان من مسؤولي وقياديي المنطقة التاريخية الثانية، مشيرا إلى «دوره البارز» في عدة معارك وهجومات، من بينها هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955، فضلا عن مشاركته في مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، «ليواصل بعدها نضاله في الخارج، حيث أسندت له مهمة التسليح والاتصالات العامة، كما كان ضمن الوفد المفاوض في إيفيان. وشدد زيتوني على أن المرحوم «ظل وفيا لخصاله ومتمسكا بمبادئه، ملتزما بشرف النضال من أجل الحرية واسترجاع السيادة الوطنية»، وهي نفس المواقف التي أبداها عقب الاستقلال، حيث تواصلت مسيرته «بنفس الروح والالتزام لبناء مؤسسات الدولة الجزائرية المستقلة» في كل المناصب والمسؤوليات التي تقلدها». «العظماء لا يموتون أبدا» وأشاد مجاهدون وأبناء شهداء بولاية عنابة بخصال الراحل ومساره النضالي من أجل استقلال البلاد. فببلدية شطايبي حيث تجري مراسم إحياء الذكرى ال56 لوفاة المجاهد عمار شطايبي والتي يشرف عليها وزير المجاهدين الطيب زيتوني، اعتبر المجاهد مزيان غزيلي أنه برحيل عمار بن عودة «فقدت الجزائر أحد أبنائها الشجعان». واستطرد المجاهد قائلا «لقد عرفت سي بن عودة عقب الاستقلال وأنا أعتبر أن العظماء لا يموتون أبدا»، مضيفا «لقد خدم بن عودة بلاده بكل حب و إيثار». من جانبه قال الأمين الولائي لمنظمة أبناء الشهداء خميسي دواسية إن عمار بن عودة كان «رمزا بالنسبة لمجموع الجزائريين»، مشيرا إلى أنه كان واحدا من الكبار وكرس حياته من أجل الجزائر.