وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول أمس الجمعة رسالة للاجتماع المصغر لرؤساء الدول والحكومات حول الأزمة المالية والذي انعقد بالدوحة عشية مؤتمر القمة حول تمويل التنمية. فيما يلي نص الرسالة: سمو الأمير معالي الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة دعوني بادئ ذي بدء أزجي الشكر لمعالي الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة على هذه المبادرة الطيبة التي تجمعنا اليوم لنتدارس مجمل التحديات المتعددة المطروحة على الاقتصاد العالمي جراء الأزمة المالية التي يشهدها وللبحث عن أفضل السبل التي تتيح فرصة التصدي لها بطريقة تضامنية وكذا رسم بعض السبل للتوصل إلى إصلاح الهيكل المالي والنقدي الدولي الذي طالما انتظرناه والذي أضحى أكثر من ضروري . كما أخص بالشكر سمو أمير قطر على قبوله إدارة أعمالنا وعلى إسهامه الشخصي في إنجاح جلساتنا هذه. إن هذا الاجتماع يأتي في الوقت المناسب من حيث أنه يسهم في التجند الضروري والعاجل للمجموعة الدولية من أجل التصدي للأزمة المالية غير المسبوقة التي يشهدها الاقتصاد العالمي حاليا ولأنه أيضا يسمح بتغذية تفكيرنا المشترك بغية خفض التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على الدول النامية بما في ذلك خطة التغيرات المناخية ولأنه في الأخير يندرج ضمن المساعي الرامية إلى تمكين أكبر عدد من البلدان من الإسهام في مهمة وضع التصور المالي والدولي المستقبلي. سمو الأمير معالي الأمين العام أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة أولا: وفيما يخص الأجوبة المأمولة لحل هذه الأزمة المالية وتباطؤ النمو: إن الأزمة المالية التي يعيشها العالم منذ بضعة أشهر والتي امتدت تأثيراتها شيئا فشيئا إلى الاقتصاد الحقيقي قد تتسبب في عواقب بالغة الخطورة على الاقتصاديات الهشة للدول النامية وبالخصوص منها في قارة إفريقيا. لقد كانت الحلول التي عرضتها البلدان الصناعية الكبرى منذ بداية ظهور هذه الأزمة تهدف في مستهل الأمر إلى التصدي لأزمة السيولة وإعادة الثقة في الأسواق المالية ودعم المؤسسات المالية التي تشهد صعوبات وإعادة تمويلها ومما لا ريب فيه أن هذه الخطوة كانت في حاجة إلى دعم قوي رغم أنها ليست كافية في حد ذاتها فلا بد من استكمالها بإصلاحات أكثر تأثيرا قصد تحسين إدارة الاقتصاد العالمي. إلا أنه ومن بين التحديات الملحة هناك مسألة العزم المطلوب لدى المجموعة الدولية من أجل التقليل من امتداد الأزمة إلى باقي قطاعات الاقتصاد لاسيما في البلدان النامية. فلا بد في هذا الصدد للمجموعة الدولية أن تواصل دعمها للنتائج المشجعة التي سجلتها الاقتصاديات الإفريقية في السنوات الأخيرة برسم نمو الناتج الداخلي الخام والتجارة الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى لا يعاد فيها النظر بسبب الأزمة التي ستعطل أهم دورة نمو سجلتها هذه البلدان منذ الستينيات ما لم تكن هناك مبادرة في هذا الاتجاه. ومن هذا المنظور فإن أول خطوة استعجالية هي التفكير في الفئات الهشة هذه الفئات التي تظل المساعدات العمومية الموجهة للتنمية بالنسبة إليها أمرا أساسا لتلبية حاجات معيشتها اليومية في جوانب الصحة العمومية والتربية وخفض الفقر وبناء المنشآت القاعدية وبالتالي الاقتراب من الأهداف التنموية للألفية قبل عام 2015 ولم لا بلوغها. وعليه فإنه من الضروري ألا تصبح الأزمة مرادفا لخفض تدفقات المساعدات العمومية الموجهة للتنمية التي يتعين عكس ذلك رفعها طبقا لتعهدات المجموعة الدولية. وتكمن ثاني خطوة استعجالية في قناعة البلدان النامية ذاتها بمسؤوليتها الكبيرة في تنمية نفسها بنفسها هذه القناعة التي أدرجتها البلدان الإفريقية وبكل وضوح ضمن المبادئ الأساسية لميثاقها المشترك الذي خطته للتنمية مجسدا في مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، وفي صلب هذه القناعة اعتبار البلدان الإفريقية أن زيادة إيراداتها من الصادرات هي أفضل طريقة لمواجهة متطلبات التنميبة ويكفي بذلك رفع الحواجز التي تعترض سبيل وصول منتجاتها الفلاحية إلى أسواق الدول المتقدمة ولهذا السبب فإنه من الضروري بمكان أن تأخذ المفاوضات التجارية لدورة الدوحة في الحسبان هذا الانشغال وأن تنتهي في أفضل الآجال. أما ثالث أمر ملح فإنه يخص الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فاليوم ترانا ندرك جيدا الإسهام القيم لهذه الاستثمارات بالنسبة لاقتصاديات البلدان النامية التي وفقت في جذبها وتوجيهها وحتى التحكم في رجاتها عندما تتخذ طابع المضاربة. وهنا أيضا من المهم جدا أن تحث حكومات البلدان المصنعة مستثمريها على تحاشي مغادرة البلدان النامية بسبب الأزمة مثلما بدأنا نسجله للأسف. ثانيا: فيما يخص مواصلة دعم التنمية المستدامة من أجل بلوغ الأهداف التنموية للألفية. فإنه من بالغ الأهمية هنا أيضا ألا تصبح الأزمة مرادفا لإعادة النظر المتزايدة في الالتزامات التي تعهدت بها البلدان الصناعية في سياق بروتوكول كيوتو بشأن ظاهرة الاحتباس التي تهدد أنظمتنا البيئية. لقد بات في حكم الثابت أن البلدان النامية والبلدان الإفريقية على وجه الخصوص ستكون أولى ضحايا تدهور المناخ العالمي هذا التدهور الذي بدأنا نسجل تأثيراته والذي لم تكن فيه إفريقيا طرفا. إن انعكاسات التغيرات المناخية على الاقتصاديات الهشة للدول النامية بدأت من الآن تبدو مأساوية وستمتد إلى قطاعات شتى كالفلاحة أو التجارة أو السياحة وذلك بغض النظر عن بروز الظاهرة المحيرة المتمثلة في ضحايا النزوح البيئي والتي تهدد الأنسجة الاجتماعية وحتى الاستقرار السياسي في مناطق بأكملها من كوكبنا. ثالثا: صياغة تعددية جديدة : بخصوص هذه النقطة الأساسية أرى أنه لا بد أن أبدأ بالقول إن الاضطرابات المتواترة التي تمر بها العلاقات الاقتصادية الدولية منذ عقود عدة في مقدمتها هذه الأزمة المالية غير المسبوقة التي نشهدها اليوم إنما هي نابعة من التناقض البديهي بين اقتصاد عالمي تطبعه التبعية المتبادلة والعولمة من ناحية وبين الغياب الصارخ للإدارة الاقتصادية على صعيد عالمي من ناحية أخرى هذه الإدارة التي تركت لقوى السوق وحدها ولقد آن الأوان لإنهاء هذا التناقض. إن المبادرات التي قامت بها البلدان الصناعية الكبرى خلال الأسابيع الأخيرة بغية إدراج مزيد من الضبط والمراقبة على نطاق دولي وتعزيز شفافية الأسواق المالية ومسؤولية المتعاملين وتكثيف التعاون بين القائمين على الضبط على المستويين الوطني والجهوي والشروع في إصلاح المؤسسات المالية الدولية تبدو في نظري ذات بال وتستحق التشجيع. كما أنه لا يسعني إلا أن أعبر عن ارتياحي لأن مجموعة العشرين عبرت في اجتماعها الأخير بواشنطن عن أملها --وهنا أذكر حرفيا-- في "أن تعكس مؤسسات بريتون وودز تطور وزن الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي من أجل رفع شرعيتها ونجاعتها". كما أوضحت --وهنا اذكر حرفيا أيضا ما صدر عنها-- "إنه يتعين منح الاقتصاديات الناشئة والاقتصاديات النامية بما فيها البلدان الأكثر فقرا فرصة إسماع صوتها وتمثيل نفسها بشكل أفضل". ومع ذلك فإن صياغة تصور نقدي ومالي دولي جديد يقتضي في اعتقادنا حجما أكبر من مجموعة العشرين حتى يستجيب لمتطلبات الطابع التمثيلي المطلوب على ضوء خطورة الوضعية وأهمية الرهانات بالنسبة للمجموعة الدولية برمتها. وفي هذا الصدد فإن إسهام مجموعة الأربعة والعشرين المنبثقة عن مجموعة ال77 والمكلفة بالمسائل النقدية والمالية بمقدورها أن تصبح سبيلا لتحسين الطابع التمثيلي لمجموعة العشرين. وزيادة عن ذلك فإنه يتعين على منظمة الأممالمتحدة وكذا مؤسسات بريتون وودز أن تؤدي دورا محوريا في تثبيت الأهداف الإستراتيجية التي تود المجموعة الدولية تحديدها لهذا الإصلاح. لا شك في أن هذه المجموعة من الأفكار الجوهرية لا تدعي الإلمام بنقاش تعددية الأطراف كله. ذلك أن تعددية الأطراف معناها أيضا توسيع مجلس الأمن وإصلاحه من أجل إعادة النظر في كيفيات عمله وجعله أداة متجددة في خدمة السلم والأمن. إن تعددية الأطراف معناها منظمة عالمية للتجارة تكون أكثر انفتاحا على انشغالات البلدان النامية. إن تعددية الأطراف معناها منظمة دولية للبيئة تكون في مستوى التحديات الجسام المطروحة على كوكبنا في جوانب التغيرات المناخية أو حماية التنوع البيئي أو التصحر. ويبقى علينا أن نأمل في أن تتحول المحنة التي فرضتها علينا اليوم الأزمة المالية إلى بداية وعي جماعي بمستقبلنا المشترك وبالضرورة الملحة المتمثلة في بناء هذا المستقبل بطريقة تضامنية. ولا بد من تغذية الأمل بأن تكون ندوة تمويل التنمية المقررة غدا فرصة مثلى للقيام بخطوة حاسمة في هذا الاتجاه.