نظم المجلس الأعلى للغة العربية أمس، بقصر الثقافة مفدي زكريا ملتقى وطنيا حول "التعايش اللغوي في الجزائر بين العربية والأمازيغية في ظل التعديل الدستوري"، طرح فيه المشاركون مختلف السبل والآليات التي يتم من خلالها تحقيق التعايش بين هتين اللغتين في بلدهما الواحد، وذلك استنادا إلى خبرات وطنية في مجال التخطيط اللساني ونماذج لتجارب حققت هذا التعايش في بلدانها. في كلمته الترحيبية، أكد الدكتور ياسين بوراس، رئيس اللجنة العلمية للملتقى إلى دور اللغات في المجتمعات مما يتطلب التخطيط المحكم والمتواصل، كما أشار إلى أن هذا الملتقى الهام يتضمن 70 مداخلة و3 جلسات و3 ورشات على مدار يومين من الأشغال. بدوره، ثمّن الدكتور صالح بلعيد الفعالية التي ستختتم اليوم بقراءة تقارير الورشات وتوزيع الشهادات، مؤكدا أن الموضوع وضع بين أيدي المختصين ليفتوا في الوصفات العلمية التي تعكس جوانب التآلف من الجانب اللغوي، والذي له انعكاس إيجابي على المنظومة اللغوية والاجتماعية، ليضيف أنه لا نهوض وطني بدون هوية وطنية، ولا تقدم بدون انفتاح ولا انسجام يدون وعي، وبالتالي فإن العربية والأمازيغية حسبه - في خندق واحد وهما بحاجة إلى وعي لغوي يعيد نسج العلاقات التكاملية في ظل الثقافة الإسلامية. كما دعا المتحدث إلى التخطيط اللغوي والتربوي بغية الكشف عن مزيد من التصاهر اللغوي بين هاتين اللغتين ذواتا الأصل المشترك، وتطرق بالمناسبة إلى التعاون مع مؤسسات ذات العلاقة وهي المجلس الإسلامي الأعلى والمحافظة السامية للأمازيغية حيث تم تجسيد التكامل البيني اللغوي. توقف المتحدث أيضا عند ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور، معتبرا ذلك فعلا حضاريا وإقرارا للمواطنة اللغوية، مستعرضا الحاجة إلى تخطيط دقيق يحمي لغاتنا بنظرة مستقبلية تراعي المتغيرات وتحدد الأولويات وتوحد الجهود. وأكد الدكتور بلعيد أن الأمازيغية لم تصارع العربية حيث تحددت مجالات كل واحدة منها بشكل طبيعي، كما لم يمنع القرآن ولا الإسلام استعمال اللغات والألسنة الأخرى، وبذلك عاشت العربية بلهجاتها والأمازيغية بلهجاتها وتأدياتها جنبا إلى جنب طوال القرون الماضية، ولم يحصل بينهما صراع بقدر ما كان التكامل والتداخل تكاملا وتبادلا في الأدوار والوظائف، وكان الأجداد ينظرون إلى المسألة اللغوية نظرة تكامل لا صراع. تدخلت بالمناسبة السيدة فافا بن زروق رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤكدة أن الموضوع له علاقة مع وجدان الشعب وتاريخه الحافل بالنضال، وتوقفت في بيان 1 نوفمبر الذي راعى مسألة الهوية الجزائرية، كما استحضرت البيان العالمي لحقوق الإنسان الذي رسخ هذا الحق، وطالبت المتدخلة بضرورة تحصين الهوية لتكون في مواجهة العولمة. أما السيد سي الهاشمي عصاد، رئيس المحافظة السامية للأمازيغية، فاعتبر ترسيم الأمازيغية مكسبا وطنيا وتعزيزا للهوية الوطنية بكل مكوناتها في ظل التعايش والمصالحة، وبالتالي فإن هذه الخطوة التاريخية وفرت التماسك بعيدا عن صراع اللغات واحتكارها من أي جهة كانت. تعرض المتحدث أيضا إلى الاقتراض بين العربية والأمازيغية ما أنتج التأثير والتأثر، واليوم هناك مصالحة لسانية بالجزائر ستتحقق أكثر من خلال المدرسة مما يساهم في بناء علاقة ثراء متكامل بدون عقد أو مزايدات. بدورها، استعرضت السيدة مريم شرفي رئيسة المفوضية الوطنية لحماية الطفولة لدى الوزير الأول مخاطر رياح العولمة مما يتطلب التحصين بهويتنا وقيمنا الوطنية وكذا تربية النشء عليها ليكون جيلا صلبا لا ينحني. تحدث الدكتور بوزيد بومدين ممثلا عن المجلس الإسلامي الأعلى على مسألة "الأمن الهوياتي" والذي تمثل في المصاهرة اللسانية، وقد عاد بالحضور إلى تاريخ مهدي بن تومرت ووثيقة المرشدية المهمة التي كتبها بالأمازيغية وكذا خطب الجمعة بالأمازيغية ودراسة الفقه بذات اللغة من ذلك فقه ابن عسير وأبي زيد القيرواني، أما اليوم فحث المتدخل على ردع خطاب الكراهية والتلاعب السياسوي واحتكار اللغة لتجنب تفتيت الأمة وإضعافها، واقترح بالمناسبة تجريم كل من يستعمل أسلوب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي بتجريمه وفقا للقانون. بعدها، انطلقت التكريمات التي خصت المتدخلين إضافة لسفير فلسطينبالجزائر السيد لؤي عيسى، ثم نصبت الجلسة العلمية الأولى برئاسة فيروز بن رمضان من جامعة المدية، تدخلت فيها الدكتورة رقاب جميلة من جامعة الشلف مستعرضة "المصطلح والمفهوم في إشكالية التعايش اللغوي"، وطرحت مسألة تحديد العلاقة بين العربية والأمازيغية، وكذا الوقوف عند مكامن التكامل، وكذا تفعيل القوانين الخاصة باحترام اللغة، كما عادت للتاريخ الاستعماري الذي جعل فرنسا تخلق نخبا متعالية تتجاهل الثوابت الوطنية.