أكّد المسرحي حبيب بوخالفة عزم الراحل عبد القادر علولة العودة إلى المسرح الأرسطي لكن بصورته الحديثة، بعدما فرغ من تجربته في المسرح الملحمي، لتيقّنه بأولوية الصورة على السرد في مخيلة الجمهور في عصرنا هذا، بينما أشار الإعلامي والكاتب احميدة العياشي، إلى تفكير علولة في تناول مواضيع تمس الشباب بعد أن كان يهتم بالفئة الكادحة من المجتمع، في حين قال الأستاذ عبد الكريم غريب، إنّ علولة نهل من المكون الثقافي الجزائري بكلّ تنوّعاته. في إطار استضافة مسرح الجزائر الوسطى المسرح الجهوي لوهران، تمّ، أمس، تنظيم ندوة حول المسرحي الراحل عبد القادر علولة، نشطها كل من حبيب بوخالفة وعبد الكريم غريب واحميدة العياشي. قال المسرحي حبيب بوخالفة إن الراحل عبد القادر علولة بدأ مسيرته المسرحية من خلال المسرح الكلاسيكي أو ما يلقب بالمسرح الأرسطي، إلا أنه أدرك بُعد هذا النوع من المسرح عن الجمهور، فابتغى تأسيس اتجاه مسرحي آخر يجذبه إليه، ويحمل مواضيع تمس الطبقة الكادحة من المجتمع، فقد كان تقدميا اشتراكيا، ومناضلا أكثر من مهني في الفن الرابع. وأضاف بوخالفة أنّ علولة انتقل من التمثيل إلى التأليف والإخراج، وكان يرى ضرورة أن يستقطب المسرح الجمهور، خاصة الريفيين والقادمين إلى المدن، كما كان يبحث عن العدالة الاجتماعية في الحياة والمسرح، ليشير إلى حاجة علولة في الانتقال من المسرح الكلاسيكي إلى الملحمي، باعتبار أن المجتمع الجزائري يرتكز على الثقافة الشفهية، فأنتج ثلاثيته «لجواد، القوال، اللثام». واعتبر بوخالفة أنّ علولة استطاع بكلّ ذكاء ومحبة، أن يجذب الجمهور إلى المسرح، ويزوّده برصيد ثقافي شعبي، فيصبح جزءا منه. كما وظّف في مسرحياته عناصر مألوفة بالنسبة لهذا الجمهور، مدركا استحالة تأسيس مسرح جزائري بدون جمهوره. وتطرق المتحدث للقائه الأخير بعلولة قبل ثمانية أشهر من اغتياله، وتحدثا معا عن الفن الرابع، فطلب منه أن يعود إلى المسرح الكلاسيكي الذي شهد انطلاقته، لكن برؤيته المتفردة والجماليات التي يعتمد عليها، فرد عليه علولة بأنه سيفعل ذلك لأنه يعتقد أن المسرح الدرامي قد ولى زمانه، وأننا نعيش زمن الصورة وليس زمن السرد، ليختتم بوخالفة كلامه بالتنويه بمسرح علولة، الذي يمثل تجربة عظيمة، تجسد الأصالة الجزائرية، وبقدرته على بناء مسرح درامي انطلاقا من محيط انتمائي محلي. من جهته، أكد الأستاذ عبد الكريم غريب قيام علولة بالحفر في الجسد الثقافي الجزائري بكل تنوعاته، والخروج من المسرح الكلاسيكي الأرسطي منه والبرختي اللذين قيّدا الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص، ليؤسس فضاء للتجريب والمخبرية، معتمدا في ذلك على منطلقات معرفية وفكرية، فبحث عن الصورة في الجسد الثقافي، مؤكدا تنوعاته، مضيفا أن هذا الجسد الشمال إفريقي يؤكد على الصراع بينه وبين المشرق منذ أكثر من 7 آلاف سنة. أما الكاتب احميدة العياشي فتطرق لملازمة الصحوة المسرحية الجزائرية نظيرتها السياسية منذ الاستعمار الفرنسي إلى غاية ما بعد الاستقلال، ممثلا ببعض الأسماء؛ مثل رويشد وعلالو وغيرهما ممن قدموا مسرحيات باللغة العربية وبالدارجة، وأكدوا من خلالها على الهوية الوجدانية الجزائرية. وأضاف أن الأزمة البربرية التي ظهرت في نهاية الأربعينات، كانت لها انعكاسات على المسرح، ليحدث الانفتاح ما بعد الاستقلال على البعد الإفريقي، وهو ما ظهر في أعمال كاكي وبودية وغيرهما. وبالمقابل، اعتبر العياشي أنّ علولة انطلق من هذا السياق الثقافي المتنوع، ليشكل تجربته المسرحية الخاصة، التي ينطلق فيها من الذاتية الشعبية ولا غير، والمتمثلة في مسرح الحلقة، وهذا من خلال ثلاثة عروض مسرحية، دعا فيها إلى التعددية الثقافية ولو بشكل مضمر، وتحدّث فيها عن تجربته ليصل إلى حدوده ويقرر تقديم بديل جمالي، وبلورة النقد الاجتماعي والسياسي، والدفع إلى التغيير السياسي بشكل إصلاحي وليس عن طريق الثورة. وأكد المتحدّث وعي علولة بعد أحداث الخامس أكتوبر 1988، وصول تجربته إلى نهايتها، وأنه مطالب بتجربة جديدة تمس الشباب بالدرجة الأولى بعد أن كان يهتم بالطبقة العاملة الكادحة، وهو ما تحدّث فيه مع العياشي في حوار شهرين قبل اغتياله.