ما تزال الأدخنة تتصاعد من ركام دمار مدن قطاع غزّة، ومازال دم الأطفال لم تمسحه دموع الشتاء الغزيرة، ومازال الغيلان والخفافيش تمتد من قوّة مصّ الدّم الفلسطيني ما يجعلهما قوية على الأرض المقدّسة، في حين سارعت فيه أعمدة الأمّة التي نخرها سوس التناحر على الزعامة الوهمية إلى نيل شرف الأسبقية لنصب المراصد بالصورة والصوت حتى لا تتمكّن غزّة من الدّفاع عن نفسها، وحتى لا يستطيع الطفل النموّ حتى لا يكون مقاوما ضدّ من اغتصبوا أرضه ودمّروا بيته ومدرسته. "القدس عاصمة الثقافة العربية" التي لم تسلم من طعنات الخناجر المرئية والمخفية، قسم مدرسي تخسف به الأرض نتيجة للتجويفات والتقعرات التي أحدثتها الحفريات اليهودية بحثا عن الحائط الوهمي حتى يكون لهم شهادة إثبات على أحقيتهم بالقدس، وحتى تكون لهم الشرعية بتهديم الأقصى وقبّة الصخرة. القدس يتمّ ترحيلها بمعالمها الإسلامية من أمكنتها إلى الدول العربية على شكل ممنوعات مهرّبة، مثلما قبض البعض قبضة من ترابها وجعلوه في قبر ياسر عرفات حتى يوفون بوصيته، وربّما تأتي الأيام التي يتم فيها تهجير كلّ عربي ومسلم من القدس إلى خارجها وتسلم له صورة أوحفنة من ترابها حتى لا يطالب بحق إقامته فيها. "القدس عاصمة الثقافة العربية"، بل القدس هي عاصمة للثقافة الإسلامية لأنّ العرب لم تعد لهم ثقافة يدافعون عنها، بل لأنّ الذين رفعوا لواء الدفاع عن المقدّسات وعن الشعب العربي الفلسطيني في غزّة، هم غير العرب، هم الذين يربطهم بشعب غزّة رابط الإيمان والتوحيد والإسلام، أمّا الذين ينظرون إلى المجاهدين نظرة احتقار وازدراء ويحملونهم مسؤولية الشهادة من أجل استرجاع ما أغتصب، وينعتونهم بالعبثيين، وهل يصدّقهم أحد؟، إنّ الجهاد هو انتصار لأنّ لا هزيمة بالنسبة للذين يدافعون عن أرضهم وعرضهم وليس لهم إلاّ أحدى الحسنيين الشهادة أوالانتصار. أمّا الذين يركضون من أجل أن يلعبوا لعبة الفئران من منهم يعلّق الجرس لمراقبة المقاومة ورصد تحرّكاتها باسم ضمان عدم تهريب الأسلحة التي لا وجود لها إلاّ في خيالهم، فهم وأجراسهم يخسؤون، فإذا كانت صواريخ المقاومة تصنع محليا، وعبثية تسقط في الفراغ، فلماذا يهطعون حرّاس إسرائيل ذات الشمال وذات اليمين والغرب لتنصيب الكاميرات ويملؤون البحر بالسفن والجوّ بالطائرات؟. إنّ المقاومة الفلسطينية الباسلة تثقّفت بالأرض واحتمت وتدرّعت بها، فالأرض وحدها هي التي تحمي المقاومة، والمقاومة وحدها هي التي تحمي الأرض، مهما تكاثر الفئران وتعدّدت الأجراس من أجل تنبيه إسرائيل إلى الخطر الذي تسبّبه لها المقاومة فإنّ المقاومة باقية، فمن منهم يستطيع أن يعلّق الأجراس الغربيون أم العملاء؟.