غزة الجرح الذي اتسع مداه، الطفل الذي اختلط دمه بالحليب، غزة اللعنة التي تجلّد الجبناء والعمامة التي تحمي قبة الصخرة من التسديس، العجل سينسفه الأطفال نسفا، الطور سيدك دكا، وستعلو صيحة الكبرياء فوق كل الأصوات مادامت المآذن هي التي تكتب الميلاد والميعاد، وما الشعرالا فاتحة لتحريض الصمت على البكاء، ولتحريض الكلام على الكلام، كانت "الجاحظية أول بوابة للريح وأول جملة لغزة تفتح أقواسها لتحث الشعراء على الرفض والتمرد على الصمت، فكانت أمسية بكل الكلمات في جو مهيب تملأ فيه المخايل والعيون بشاعة الصور المرفوعة من غزّة الى العالم، الغبار والأدخنة ودموع الأمهات والأطفال الذين ينقذهم الموت من الموت، ويحتضنهم الصمت المدوي والرعب الذي لم يستطع اقتحام قلوبهم التي ماتزال غضة لا تعرف معنى للخوف، غزّة البيوت المحفورة، والانقاض والقنابل والصواريخ والشظايا رحلت من هناك وسكنت جوف الكلمات وسالت في أوردة الجمل دما تستحي منه مدننا وساحات استعرضاتنا العسكرية· كانت البداية مع الصحفية الشاعرة عفاف فنوح التي كتبت طفلا ضلت شفتاه طريقها الى ثدي أمه ··· فعنونت قصيدتها ب تحية لطفل شهيد ··· محمّد كم جلست أمّك وانتظرت ولم أكن أدري أن الشعر هو الآخر يتوه بين الركام والحجر والأشلاء الممزقة··· الأطفال وبكاء الامهات، لكن عفاف حاولت أن تعيش لحظة الألم وأن تدخل الجرح لتستقصي الحقيقة التي يعملون على وأدها كما فعلوا دائما في جاهليتهم التكنولوجية التي ليس فيها أذكر من الموت· هل سمعت شاعرتنا صوتها يعود اليها من تجاويف الجرح أم أنها حملت مع الأم بقايا طفلها وأغلقت الكلمات على مساحات أخرى للدموع·الشاعرة الثانية التي حاولت أن تجسّ نفسها هل أصبحت بلا مشاعر وأحاسيس، هل تحوّلت الى حجارة، الحجارة تحسّ، الحجارة أصبحت قصيدة للأطفال وصوت من أصوات المقاومة فصاحت "هل أنا حجرا· أما الشاعر عاشور فني فهو أيضا لم يغادر روضة الأطفال فقرأ! طفلتان لغزة في الفجر في ساعة من نعاس الكواكب حين ينطلق النهر يحفر فجرا يحفر مجرى يسير من غير ضفة ضفتان لنهر المحبة ضفة النهر وفي القلب ضفة ثانية أما الشاعر عمر بن زايد، فهو أيضا لم يخرج من رؤية أطفال غزة: "أوصي رياح الحزن في هذا الحزن ماشئت، فإن اليوم كالأمس، وأخشى من غد يأتي وفي صدري جراحات تعض رياح الفجر"· وقرأ أيضا احتجاجات فلسطين في قصيدة عنوانها "ما أكثر الذين زايدوا على دمي" "رفيقتي نحن العرب··· أفعالنا فاقت أساطير العجب"· أما الشاعر فاتح علاق فقد قرأ هو الآخر "دمدمات فلسطينية" حين قال: " دمدم·· دمدم··· الحق الواقف لا يهزم··· والحر أبدا لا يقهر··· دمدم··· دمدم القدس دائما واقفة"· كما قرأ أيضا مقطوعة من قصيدة "صوت في البرية" قال فيها: " في سبيل الهوى ضاعت القافلة فامدحي ياجراح أمتي الغافلة" الشاعر زبير دردوح تأوّه للجرحين القدس وبغداد· فعنى "عراق الصمود": "قالوا العراق انطوى قلنا لهم صمدا سيف تمدد في غمديه مبتلدا سيف يد الزمن الناري تشحذه فإن بدت صفة للمكرومات بدا" هكذا كانت فلسطين في أمسية شعرية أول أمس احتضنتها "الجاحظية" لتكتب برقية تنديد صامتة لكل العرب·