* email * facebook * twitter * linkedin شكل اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أول أمس، مناسبة أخرى لتشخيص المنظومة الصحية بالبلاد والتي أبانت نقائصها جائحة كورونا التي وإن حلت ضيفا ثقيلا على الجزائر، إلا أنها مكنت من الوقوف على الاختلالات التي اعترت السياسة الصحية على مدار عقود من الزمن، فضلا عن التفكير بضرورة إرساء نموذج اقتصادي جديد خارج المحروقات يعتمد على الطاقات الشابة ومؤسساتهم الناشئة في ضوء أزمة النفط التي كانت من بين إفرازات الوباء العالمي. وتجلى بوضوح تركيز رئيس الجمهورية على الواقع الصحي في البلاد في ظل أزمة كورونا، إذ بعد الزيارات التي قام بها مؤخرا إلى المنشآت الصحية للوقوف على مدى التزام الفريق الطبي بالاستجابة لانشغالات المواطنين الذين كانوا ضحية الفيروس القاتل، فقد اغتنم القاضي الاول في البلاد فرصة الاجتماع للتأكيد على ضرورة مراجعة المنظومة الصحية وفي أدق تفاصيلها، من خلال بناء منظومة صحية عصرية "تريح المواطن وتضمن له العلاج اللائق". الرئيس تبون الذي لم يتوان في كل مرة في الإشادة بجهود السلك الطبي في مواجهة هذه الجائحة، قدم خلال الاجتماع رؤيته الاستشرافية بخصوص إعادة تنظيم هذا السلك ومده يد العون اللازمة. وذلك عبر تقديم تحفيزات مالية، فضلا عن تحرير المبادرات وإنتاج العتاد الطبي محليا، "ليس بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي فقط بل من أجل التصدير أيضا". ومن بين التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية خلال هذا الاجتماع، نذكر ضرورة تشديد المراقبة على نوعية الأدوية والمواد الغذائية المستوردة من خلال زيادة فتح مخابر بالعدد الكافي في كل منافذ البلاد. وفيما يعد رسالة طمأنة للرأي العام الوطني، أعرب الرئيس تبون عن ارتياحه لتقلص مساحة الوباء، بفضل جهود السلك الطبي الذي كان في الصفوف الاولى في مواجهة الوباء، في حين دعا إلى المزيد من الانضباط واليقظة والتحمل، كما وجه شكره إلى كل من ساهم من القطاعات الوزارية في إنتاج الكمامات ومستلزمات الوقاية الأخرى، في سياق رفع العبء الكبير الذي يواجه الدولة في تلبية الاحتياجات الضرورية للمستشفيات، في حين أشار لدى تطرقه لاستيراد المستلزمات الصحية الى انه مبرمج رغم تحسن الوضع تحسبا للمستقبل. وباعتبار أن للجائحة العالمية تداعيات على مختلف القطاعات الحيوية لاسيما الاقتصادية منها، شدد الرئيس تبون على ضرورة التعجيل بإرساء نموذج اقتصادي جديد، فبعد أن نوه بمبادرات الشبانية الانطلاقة الصناعية للجزائر الجديدة، دعا الى تحرير هذه الطاقاتات واستغلالها وإضفاء عليها "طابع استعجالي" بالنسبة للدولة. ومن الإجراءات الملموسة التي أقرها رئيس الجمهورية في هذا السياق، نذكر تفعيل صندوق دعم المؤسسات الصغيرة والناشئة وإعداد القوانين المنظمة لمبادرات الشباب ضمن اطر واضحة قبل نهاية شهر أفريل الجاري، فضلا عن إيجاد "صيغة مرنة" مع وزارة التجارة لتسهيل وتسريع استخراج السجل التجاري لأصحاب المشاريع من الشباب. وفي إطار مسايرة المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، دعا رئيس الجمهورية المؤسسات الناشئة إلى الاهتمام أكثر في الوقت الراهن بحاجيات المستشفيات. وكذا أهمية التعجيل بتعميم الرقمنة لخدمة الاقتصاد الوطني وضمان شفافية التسيير. وذلك في ضوء متابعته لعينة من الابتكارات المقدمة سواء في مجال المستلزمات الطبية أو إطلاق برمجيات رقمنة لقطاع الصحة وتطبيقات خاصة بالكشف والتشخيص عن بعد.و منصات للتعليم عن بعد والتجارة الالكترونية ومنصات للتبرع الالكتروني. وتنبع قناعة رئيس الجمهورية من كون الحلول المبتكرة يمكن أن تكون رافدا مباشرا لجهد الدولة في التعامل مع التحديات المفروضة سواء في مجال المعدات الطبية ووسائل الحماية والوقاية وخدمات الدعم. أو في الحد من الآثار السلبية لتباطؤ وتيرة النشاط الاقتصادي. وفي معرض حديثه عن إرساء النموذج الاقتصادي الجديد، شدد الرئيس تبون على وضع سياسة تصنيع جديدة موجهة نحو الصناعات المصغرة ومتوسطة الحجم والناشئة وتعطي الأولوية في مجال التركيب الصناعي، للمنتوج الذي يضمن أعلى نسبة من الإدماج الوطني، حتى يتسنى التخفيض من فاتورة الاستيراد وخلق فرص العمل. وطلب السيد تبون بجرد كل الثروات الوطنية الطبيعية غير المستغلة للرفع من الطاقة التصديرية، من خلال بناء صناعة وطنية حقيقية ضمن اقتصاد حقيقي محدد الآجال والاهداف، لتعويض أي نقص من عائدات المحروقات ،موازاة مع تثمين الثروة البشرية لكسب الرهان لتدارك جائحة كورونا. ومن باب كشف الواقع المر الذي لطالما اعترى السياسة الاقتصادية في البلاد، مما يستدعي التشمير على السواعد، أكد رئيس الجمهورية ضرورة "الانطلاق من الواقع المؤلم في التقييم من أجل الخروج بتصور لما نريد إنجازه"، مضيفا بأن هذا الواقع "يشير مع الأسف إلى أننا حتى اليوم لم ننجح في صنع تلفاز أو ثلاجة بنسبة 100%، رغم توفر الجزائر على طاقات علمية في مختلف المجالات، أثبتت كفاءتها في تصدينا الجماعي لمنع انتشار جائحة كورونا". وبذلك يكون رئيس الجمهورية قد وضع النقاط على الحروف دون تزييف للحقائق، من خلال عرض كافة الاختلالات التي مازالت تعتري القطاعات الحيوية في البلاد، مما ينبئ بإرساء رؤية مستقبلية قد تفتح افاق جديدة تصلح حال البلاد والعباد. ولن يتأتى ذلك الا بترجمة وتجسيد التعليمات المسداة على أرض الواقع بالالتزام ومتابعة تنفيذ القرارات.