يبدو أن آمالنا في بعث تجربة درامية مشتركة بين الجزائر وسوريا، ورؤية عمل متميّز يكون ثمرة تلاقح جدي بين الخبرة والاحترافية الدرامية الشامية والتجربة الجزائرية، يكون من شأنه إثراء رصيد الطرفين وإضافة خبرة جديدة مختلفة ومتميّزة تساهم في تقارب وتعارف أكبر بين البلدين، تبخرت نوعا ما، لاسيما ونحن نشاهد أحداث مسلسل "عندما تتمرّد الأخلاق" الذي انتهت حلقاته قبل أيام على القناة الأرضية. المتتبع لحلقات مسلسل "عندما تتمرد الأخلاق" الذي أنتجه التلفزيون الجزائري و"أطلس فيلم"، وشهد مشاركة كوكبة كبيرة من الوجوه الفنية السورية والجزائرية، يستشف الطريقة التي تم بها انجاز العمل الذي بدا هزيلا على كلّ الأصعدة، فرغم جمال الفكرة التي حاولت أن تبسّط أمام المشاهد معاناة فتاة سورية تعرّضت لاغتصاب كانت ثمرته طفلا تائها لا يعرف من هو، إلاّ أنّ قصة العمل كثيرا ما انزلقت في متاهات جعلت المشاهد يتيه عن سيرورة الأحداث، مع افتقار العمل لحبكة درامية محكمة وتسلسل منطقي للأحداث جعله يبدو غير مقنع زادته كثرة الصدف... العمل يحاول أن يستعرض معاناة فتاة سورية تدعى جمانة (حنا كندة) وخطيبها الجزائري رشدي (كمال رويني)، تقع ضحية خطة شيطانية لإحدى الحاقدات "غيداء" (سوسن ميخائيل) تنفّذها عصابة تضمّ عماد وثائر (باسم ياخور وعبد الباسط بن خليفة)، حيث تقودها غيداء لأحد الأماكن وتقوم بتخديرها وهناك يقدم أحد أفراد العصابة (ثائر) على اغتصابها. وبعد وفاة خطيبها واكتشافها الحمل، تعتقد جمانة أنّ خطيبها هو والد الطفل، وخوفا من العار ودون أن تطلع بذلك عائلتها التي تضمّ كلا من الفنان سليم صبري، ضحى الدبس وديمة الجندي، تقرّر السفر إلى الجزائر لحضور أربعينية خطيبها وهناك تقرّر الإجهاض، لكن في آخر المطاف تغيّر رأيها حيث تستقبلها عائلة رشدي (صونيا، سيد أحمد أقومي ومصطفى لعريبي)، وتهرب جمانة من جديد بعد أن يبدي شقيق رشدي رغبته في الزواج بها. وبعد أيام تقضيها جمانة تائهة في شوارع الجزائر التي لا نرى منها في الحقيقة إلاّ "الميناء"، تكتشف "بالصدفة" خطّة مجموعة من الشباب الجزائري ل"الحرقة" إلى اسبانيا، فتقرّر وهي في شهورها الأخيرة من الحمل المغامرة معهم، دون أن يقدّم العمل مبرّرا مقنعا لهذه الخطوة ولا ل"الحرقة" ككلّ، حيث تبدو وكأنّها أقحمت عنوة في المسلسل دون مبرّر درامي، خاصة وأنها لن تضيف للقصة شيئا. والمثير للاستغراب أيضا، السهولة التي أظهر بها العمل عملية "الحرقة" التي قامت بها المجموعة، من خلال خطة ساذجة مكّنتها من الصعود إلى السفينة والسفر إلى اسبانيا مصحوبة بكمية هامة من المخدرات، وفي اسبانيا تضع جمانة طفلها "صهيب" وتتركه عند عائلة اسبانية تمنحه ب "الصدفة" لعائلة جزائرية (عبد النور شلوش، فاطمة حليلو وفؤاد زاهد)، تقرّر صدفة أيضا العودة إلى الوطن، وتلتقي جمانة أحد أفراد المجموعة "الحراقة" (رضا لغواطي) وتتزوجه وتعود الى الجزائر وتلتقي بالصدفة كذلك بابنها صهيب في محطة للحافلات. وبالصدفة أيضا تسكن عائلة صهيب بالقرب من منزل مصطفى لعريبي (شقيق رشدي) الذي تزوّج ورزق بفتاة أسماها جمانة على اسم خطيبة شقيقه التي اعتقد أنّها انتحرت، وبالصدفة كذلك يلتقي صهيب مع "إيمان" ابنة مغتصب أمّه "ثائرا"، الذي قرّر هو الآخر العودة إلى الجزائر بعد زواجه من سورية، مما يدفع إلى التساؤل من جديد لماذا تلك "الحرقة" لإسبانيا، لتأتي الحلقة الأخيرة مختصرة تقفز على المواقف بعد عملية القبض على أحد رؤوس العصابة عماد (باسم ياخور) الذي يقدم للجزائر لإتمام صفقة مشبوهة. حوار العمل جاء ضعيفا، كثير التكرار، ركيكا ومصطنعا، زد على ذلك أداء الممثلين، فرغم مشاركة العديد من الأسماء السورية المعروفة بأدائها المتمكّن والجميل عبر العديد من الأعمال الدارمية، على غرار باسم ياخور الذي يشارك للمرة الثانية في عمل مشترك مع الجزائر بعد مسلسل "عذراء الجبل"، كذلك الفنان القدير سليم صبري وديمة الجندي، سوسن ميخائيل، جيني إسبر، ضحى الدبس، جلال شموط، كندة حنا... إلاّ أنّ أداءهم جاء عاديا سطحيا بعيدا عن تلك الاحترافية والتمكّن المعتاد، والسبب يعود ربما إلى سوء توجيههم من طرف المخرج السوري فراس دهني أو ضعف سيناريو الكاتبة سميحة سعيد خليفة. نفس الشيء بالنسبة للوجوه الفنية الجزائرية المشاركة، رغم أنّ أغلبها يحسب من "أجود ما عندنا" على غرار سيد احمد أقومي، صونيا، مصطفى لعريبي، فاطمة حليلو، كمال رويني، مليكة بلباي، سامية مزيان، عبد الباسط بن خليفة، بالإضافة الى بعض الوجوه الشابة التي برزت مؤخرا كلمياء بوسكين، بشرى، إيمان ورضا لغواطي وغيرهم، لكن هذا لم يمنع الأداء المقبول للبعض منهم على غرار عبد الباسط بن خليفة وسامية مزيان، وكذا ظهور البعض الآخر دون المستوى، حيث جاء أداؤهم مصطنعا وسطحيا وغير مقنع، كما هو الحال بالنسبة للفنانة صونيا التي بدت غير متفاعلة مع دورها كأم ضيّعت ابنا وكادت تضيّع الآخر، كذلك الفنان نور الدين شلوش، فاطمة حليلو، لمياء بوسكين وإيمان التي سبق لها وأن أدّت دور البطولة في مسلسل "قلوب في صراع" واختارها المخرج لتشارك في هذا العمل أيضا رغم أدائها الضعيف... ورغم هذا، نأمل في المزيد من التعاون الدرامي بين الجزائر وسوريا لتأخذ التوأمة وقتها في النضج وتزهر تحفة فنية، خاصة إذا ما اجتمعت الاحترافية والخبرة مع الجدية والرغبة في تقديم شيء جميل ومتميّز.