تُعد مشتى أسومار إحدى مناطق الظل بامتياز ببلدية إراقن سويسي الحدودية بين ولايتي جيجلوسطيف، التي شهدت موجة نزوح كثيف للسكان مع بداية التسعينيات؛ هروبا من ويلات الإرهاب الذي اجتاح المنطقة خلال العشرية السوداء، لكن مع استتباب الأمن والاستقرار عادت العائلات التي هجرت منازلها إلى ديارها وخدمة أراضيها الفلاحية، لكنهم اصطدموا بواقع معيشي مرير، عكر صفو حياتهم اليومية، ووجدوا أنفسهم في عزلة تامة عن العالم الخارجي. أوضح مواطنو قرية "آسومار" في حديثهم مع "المساء"، أن أحوالهم لم تتحسن ولم ترتق نحو الأفضل؛ لا لشيء سوى لأن منطقتهم لم تظفر بنصيبها من التنمية منذ سنوات. وتأتي أزمة ماء الشرب في صدارة المشاكل التي تؤرق السكان، الذين مايزالون يتزودون بمياه الينابيع من أعالي جبال إراقن؛ حيث يقطعون عشرات الكيلومترات يوميا لجلب الماء على الأحمرة أو على ظهورهم وسط مسالك صعبة ووعرة. غياب مياه الشرب وانعدام المواصلات وقال المتحدثون إنهم يعانون مشكل انعدام ماء الشرب منذ فجر الاستقلال، في ظل عدم تزويد القرية بشبكة الماء، وحتى الأطفال والنساء والمسنين أنهكتهم الظروف القاسية، وأثقلت كاهلهم الحمولة اليومية للبراميل مسافات طويلة؛ إذ يتزود معظم العائلات من عين "دار موسى" وسط سلاسل جبلية وعرة، التي تقل وتجف في فصل الصيف؛ ما يزيد من معاناتهم، لتنطلق رحلة البحث إلى المناطق المجاورة في ظل غياب وسائل النقل لانعدام طريق رغم أنهم على مقربة من أقدم سد بالولاية، وهو سد إراقن؛ إذ لم يستفيدوا من مياهه؛ سواء للشرب أو لسقي بساتينهم. كما يعاني السكان من غياب طريق يؤدي إلى القرية، وانعدام المسالك؛ فطرقات القرية عبارة عن مسالك ترابية يصعب السير عليها، حيث يتكبد السكان مشقة السير يوميا للتنقل إلى البلدية مركز أو البلديات المجاورة التابعة لولاية سطيف، لقضاء حاجياتهم؛ نظرا لعدم توفر القرية على أدنى الضروريات من مرافق صحية، ومؤسسات تربوية وحتى محلات بيع المواد الغذائية. ويزداد الأمر سوءا في فصل الشتاء؛ حيث تدخل القرية في عزلة تامة عن العالم الخارجي، مع انعدام الطرقات والمسالك. ويضيف بعض المواطنين أنهم يقطعون عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام للذهاب إلى المراكز الصحية أو البلدية، لاستخراج وثائقهم الإدارية. كما يقومون بشراء مؤونة تكفيهم عدة أسابيع نظرا لصعوبة اقتنائها، وغياب محلات بيع المواد الغذائية بالمنطقة. وما زاد الطين بلة انعدام المواصلات؛ حيث تعاني قرية آسومار والمشاتي المجاورة لها، من انعدام وسائل النقل. ويقول المواطنون إن النقل البلدي منعدم، والخط الرابط بين جيجل وإراقن ينتهي في مركز البلدية، متسائلين عن أسباب عدم تخصيص حافلات النقل العمومي لباقي المشاتي الأخرى، أو على الأقل تخصيص حافلة إلى منطقة السابلين؛ باعتبارها منطقة وسطى، تسهل الوصول إلى باقي المناطق الجبلية؛ ما جعل أهالي المنطقة يلجأون إلى الطرق البدائية في التنقل من وإلى القرية، قاطعين مسافات طويلة مشيا على الأقدام، أو بالاعتماد على الأحمرة والجرارات، خاصة الحوامل، اللواتي يتجرعن مرارة المعاناة، ويضعن في بعض الأحيان مواليدهن على قارعة الطريق، وكثير منهن فقدن أجنتهن، إلى جانب إصابة المرأة بمضاعفات خطيرة، تصل في بعض الأحيان إلى الوفاة نتيجة بعد المسافة وغياب النقل، خاصة مع انعدام أدنى الخدمات الصحية بالمنطقة؛ ما يجبر المرضى على التنقل إلى بلدية بابور بولاية سطيف للعلاج نظرا لضعف التغطية الصحية ببلدية إراقن سويسي، أو لتلقي أبسط العلاجات. وحسب السكان فإنهم يضطرون للعلاج في معظم الأحيان بمستشفى "محمد الصديق بن يحي" بجيجل، على بعد أكثر من 90 كلم في ظروف صعبة جدا، خاصة أن المركز الصحي الوحيد بمركز البلدية، يفتقد إلى سيارة إسعاف لنقل المرضى في الحالات الاستعجالية. المطالبة بثانوية ومرافق الترفيه وشبكات الصرف والغاز كما يعاني تلاميذ المؤسسات التربوية الأمرّين؛ فتلاميذ قرية آسومار وكل أبناء بلدية إراقن سويسي، حسب تصريح الأولياء ل "المساء"، يتنقلون إلى بلدية العوانة لاستكمال الطور الثانوي لانعدام ثانوية بالبلدية. أما تلاميذ الطورين الابتدائي والمتوسط فيواجهون صعوبات كبيرة خلال تنقلاتهم للدراسة نظرا لوعورة الطريق، واهترائه، وغياب المسالك، ناهيك عن أن أغلب المعلمين والأساتذة الذين يأتون من البلديات الأخرى، يواجهون صعوبة؛ لغياب المواصلات. ففي معظم الأحيان يصلون في ساعات متأخرة، ويتوقفون عن الدراسة في فصل الشتاء عند تساقط الأمطار الغزيرة والتساقط الكثيف للثلوج وصعوبة تنقّل شاحنات إزاحة الثلوج؛ ما يدخلهم في عزلة لأسابيع عدة، فضلا عن البرودة الشديدة داخل الأقسام؛ الأمر الذي أثر على التحصيل العلمي، وغالبا ما يتوقفون عن الدراسة بصفة نهائيا، خاصة الفتيات اللائي يتوقفن عن الدراسة في سن مبكرة، مطالبين السلطات الولائية وعلى رأسها قطاع التربية، بتوظيف معلمين من أبناء المنطقة، لضمان تمدرس التلاميذ في ظروف جيدة تنقذهم من شبح التسرب المدرسي. قطاع الشباب، أيضا، لم يُستثن من الحالة المزرية التي تعاني منها المنطقة؛ فالشباب والأطفال على حد سواء، لا يجدون أي متنفس لهم لانعدام الملاعب الجوارية أو مراكز الترفيه والتسلية؛ ما يشعرهم بالعزلة التي تفرض عليهم التفكير في هجر المنطقة إلى مناطق أوفر حظا منها، فحتى المركبات الجوارية التي أقرتها الحكومة لتثبيت المواطنين في مناطقهم، لا تتوفر عليها منطقة آسومار أو المشاتي المجاورة لها. ومن الانشغالات الأخرى التي نغصت حياة السكان، غياب شبكات الصرف الصحي؛ ما دفع بالسكان إلى التخلص من مياه الصرف بطرق عشوائية؛ إذ أصبحوا يستعملون المطامير كبديل عن شبكة الصرف الصحي رغم الأخطار الصحية التي تهددهم، بعد أن أضحت هذه المياه تصب في العراء، وتتسبب في روائح كريهة مع انتشار رهيب للحشرات الضارة. أما الغاز الطبيعي فيبقى حلم سكان آسومار، يقول المواطنون، فعلى الأقل توفير قارورة غاز البوتان التي تكاد تنعدم في فصل الشتاء، خاصة مع البرودة القاسية التي تميز المنطقة شتاء، والتساقط الكثيف للثلوج، حيث تزداد الحاجة الماسة إلى هذه المادة الحيوية بسبب الصعوبات التي تواجههم في مجال التزويد بقارورات غاز البوتان وكذا المازوت؛ باعتبارهما البديل الوحيد للإنارة رغم أسعارهما الخيالية، وكذا العزلة، التي تجعل إيصال هاتين المادتين إلى بيوت هؤلاء المحرومين، صعبا جدا وشاقا، ويكون بأسعار مضاعفة، تعجز عن توفيرها الكثير من الأسر التي تعيش تحت عتبة الفقر، بحكم أن أغلبها تعيش على عوائد نشاط الفلاحة وتربية المواشي. وأمام هذا الوضع المر، فإن سكان منطقة الظل آسومار ببلدية إراقن سويسي الجبلية، يناشدون السلطات الولائية الالتفات إلى حالتهم المزرية، وإخراجهم إلى النور الذي لم يصل بعد إليهم؛ من خلال برمجة مشاريع تنموية بالمنطقة لفك العزلة عنهم، ولاستقرارهم بقريتهم لخدمة أراضيهم الفلاحية.