شكلت مشاركة الفيلم الجزائري "هيليوبوليس" للمخرج جعفر قاسم، الحدث الأبرز في مهرجان العين السينمائي بالإمارات العربية المتحدة؛ حيث بُرمج ليكون فيلم الافتتاح للدورة الثالثة التي جرت أطوارها من 23 إلى 27 جانفي 2021، ليكون بذلك العرض العالمي الأول للفيلم الروائي الأول للمخرج ضمن مسيرته السينمائية. وسلّطت وسائل إعلامية إماراتية وعربية الضوء على هذا العمل بشكل احتفالي لافت. وإذ قال عامر سالمين المري، مدير ومؤسس المهرجان في ختام التظاهرة إن "العين السينمائي اختار أجمل ما تنتجه السينما في كل مكان حتى يكون لمهرجاننا الذي انطلق من حدود المحلية إلى آفاق العالمية، معبرًا عن دولة الإمارات العربية المتحدة التي ستظل قبلة الفن والفنانين، فشهدت الدورة الثالثة قبولًا مكثفًا، وحضورًا استثنائيًا للعروض السينمائية، التي من أبرزها فيلم الافتتاح الجزائري "هيليوبوليس" في عرضه العالمي الأول، و5 أفلام أخرى رُشحت من دولهم، لأوسكار 2021، في سابقة هي الأولى من نوعها في المهرجانات السينمائية". وكان المخرج الجزائري جعفر قاسم قدّم العرض الأول لفيلم "هيليوبوليس" في نوفمبر الماضي؛ كأول تجربة سينمائية بعد أعمال تلفزيونية عديدة سابقة. والعمل يروي جزءا من تاريخ الجزائر عشية أحداث 8 ماي 1945، التي مست العديد من المدن الجزائرية، لكن المخرج وقع اختياره على أحداث قرية هيليوبوليس الواقعة بمدينة قالمة شرقي البلاد. واتكأ المخرج في سرد قصة الفيلم (110 دقيقة، إنتاج 2020)، على أحداث حقيقية عرفتها المنطقة عن السيد زناتي، أصيل القايد عميل العدو الفرنسي في هيليوبوليس، الذي يسير على نهج والده في ولائه للمحتل، ثم سرعان ما يعود ابنه محفوظ (مهدي رمضاني) من العاصمة بعد نجاحه في البكالوريا، منكسر الخاطر؛ لأنه لا يستطيع دراسة العلوم التقنية؛ لأنه من الأهالي، فيجد نفسه منخرطا في صفوف حزب الشعب الذي قاده مصالي الحاج في أربعينيات القرن الماضي. يجد السيد زناتي أو السيد مقداد (عزيز بوكروني) نفسه مواجها لابنه الوحيد، ليعدل عن قرار التحاقه بالنضال السياسي، لكن الولد العنيد يرفض، ثم يُعتقل محفوظ مع رفاقه، ويروح مقداد يناجي الجيش الفرنسي للعدول عن اغتياله والرضوخ للذل والهوان، لكن المحتل الغاشم يقتله في مرأى من عينه رغم أنه من أشد الموالين لفرنسا، ولم يكن ذلك شفيعا له. ويصور المخرج جعفر قاسم، لأول مرة، المحارق التي كان المستعمر يرمي فيها الجزائريين، ولأول مرة ربما في تاريخ السينما الجزائرية، يظهر حقيقة من هم وراء الأحداث؛ فالأمر لا يقتصر على الجيش، بل الأوامر والتغطية على جرائم السكان الكولون أو المعمرين الذين قتلوا العديد من الجزائريين في أبشع الصور، بعد تزويدهم بالسلاح اللازم. وينتهي الفيلم بمشهد هروب الأهالي بمن فيهم نجمة بنت مقداد (سهيلة معلم)، وبشير (مراد أوجيت) خادمه، لكن مقداد يعود إلى قريته حاملا سلاح الكفاح، وهو مؤشر على تحضيرات الثورة التحريرية؛ فهو يريد الانتقام لولده المغدور. ضم العمل مشاهد مليئة بالعاطفة. كما روى قصة ضمنها في الحكاية الكبيرة، تجمع بشير الفلاح بابنة السيد مقداد نجمة، وحبهما للخيول، فكان سباق الخيول من أهم المشاهد المبهجة في الفيلم لجودة تصويره من زوايا عديدة. واستعان المخرج بفريق تقني محترف، تجلى عمله في تقديم لوحات فنية جميلة، وصورة بديعة، وصوت ذي جودة عالية، وهي من محاسن المخرج التي فرضها في أعماله التلفزيونية السابقة. والأمر نفسه بالنسبة للجانب الفني؛ فقد ظهر عمل كبير في تدريب الممثلين وإعداد حوار محكم ودقيق على غير عادة السينما الجزائرية، التي يعاب عليها الثرثرة والحوار الزائد عن الحد. جدير بالذكر أن عملا كبيرا عكف عليه المخرج لتقديم ما جاد به الممثلون في أداء راق.