أدخل قرار الجزائر بقطع علاقاتها مع المملكة المغربية مسؤولي المخزن في دوامة لا متناهية، حيث لم يتوانوا في البحث عن مبررات تكون بمثابة قشة يتعلقون بها أمام الاتهامات التي وجهتها الجزائر للرباط بخصوص الأحداث الأخيرة التي عرفتها البلاد، فضلا عن الانحراف الخطير المتعمد للمفوض المغربي بنيويورك والذي قدم مذكرة شفوية رسمية يزعم فيها "حق تقرير مصير شعب القبائل"، في الوقت الذي أدار فيه المغرب ظهره للاستفسار الذي تقدمت به الجزائر حول هذه السقطة. وبعد أن أمهلت الجزائر أصحاب القرار بالجارة الغربية لتدارك هذا التهور، بمراسلة الرباط عبر القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا، تعمد المغرب على صم أذانه تجاه مطلب الجزائر التي منحت له الفرصة الكافية لمراجعة حساباته. غير أن نفاد هذه المهلة دفع بالجزائر إلى اتخاذ خطوات عملية، اتضحت معالمها المبدئية خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عندما قرر إعادة النظر في العلاقات مع المغرب إثر ثبوت دعمه للمنظمتين الإرهابيتين "الماك" و"رشاد" وتورطهما في حرق الغابات واغتيال المرحوم جمال بن سماعيل. الأقوال لا تتطابق مع الافعال ولم يبذل المغرب جهدا لمحاولة التخفيف من هذه المشاحنة، في الوقت الذي فضل فيه اللعب على ازدواجية الخطاب السياسي، حيث اتضح عدم تطابق أفعاله مع أقوله، إذ في الوقت الذي يعلن فيه عن مد يده الممدودة للجزائر، يتعمد على عدم الالتفات إلى الانزلاقات التي تسببت في تدهور العلاقات الثنائية. وكان القرار السيادي للجزائر القاضي بقطع علاقاتها مع نظام المخزن، كفيل بخلط أوراق الرباط التي بعلم بأنها الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، خصوصا وأنها كانت تراهن على تمديد عقد مرور أنبوب الغاز الجزائري عبر المغرب نحو أوروبا، حيث كانت المملكة تستفيد من امتيازات خاصة، لكن يبدو أن عض الجارة الغربية لليد التي مدت إليها منذ سنوات، لم تمنع الجزائر من مراجعة حساباتها، بما فيها الاقتصادية منها، في الوقت الذي كانت الرباط تتطلع لتجديد عقد التموين بالغاز. فهذه الحسابات غير المدروسة للجانب المغربي الذي فضل الانغماس في غيه، ستجعله بلاشك أمام تحدي مواجهة المتطلبات الشعبية التي ستتصاعد في سياق ثورة الجياع الوشيكة، في الوقت الذي عانى ومازال يعاني فيه من آثار غلق الحدود بسبب قرارات متهورة للمخزن، بعد اتهامه الجزائر بتنفيذ تفجيرات مراكش عام 1994 وفرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، لترد الجزائر بالمثل مع غلق هذه الحدود. المخزن يتخفى وراء ثوب الصهيونية ويبدو أن المخزن لم يستخلص الدروس، حيث راح يواصل في سياسته التضليلية، متخفيا هذه المرة وراء ثوب "الصهيونية" التي يراهن عليها لتنفيذ أجندة مدروسة في المنطقة المغاربية بعد تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني، الذي ما فتئ يطلق تهديداته ضد الجزائر من أرض "شقيقة"، في سابقة تعد الاولى من نوعها في تاريخ العلاقات العربية - العربية. لكن التحريض المغربي و«المكر" الذي أبداه وزير الخارجية ناصر بوريطة خلال لقائه بنظيره الإسرائيلي في الرباط، سرعان ما انبعثت منه رائحة "الخيانة" التي لم تستسغها الجزائر وفضحت أساليبها الملتوية للرباط، فضلا عن جمعها للدلائل والحجج الدامغة التي تورط المخزن في الاحداث الأليمة التي مرت بها الجزائر بعد فضيحة "بيغاسوس"، التي لم تستهدف المسؤولين والمواطنين الجزائريين فحسب، بل طالت أيضا زعماء العالم. بذلك أصبح المخزن يدفع ثمن تهوره ولا أدل على ذلك تصريح رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، الذي حاول تبرير الانحراف الخطير لسفير المملكة بنيويورك ، بالقول أن المذكرة الشفوية التي تقدم بها لا تعبر عن الموقف السياسي لبلاده !! غير أن الصمت الذي لزمته الرباط قبل قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب، كان يؤكد عكس ذلك، حيث لم يكلف العاهل المغربي نفسه في الخطابين اللذين وجههما لشعبه، عناء تقديم توضيحات بهذا الشأن أو حتى الاعتذار لما صدر من سفيره بنيويورك، والذي حاول وضع مسالة النزاع الصحراوي وما أسماه "بتقرير مصير شعب القبائل "في كفة واحدة، في الوقت الذي تجمع فيه المجموعة الدولية على أن الأولى مدرجة ضمن قضايا تصفية الاستعمار، بينما الحديث عن حق تقرير منطقة ما من الجزائر ما هو سوى من إبداع "خادم النظام المخزني" الذي تبين تعاونه الواضح مع تنظيم "الماك". ولابد أن نشير هنا كيف أن رئيس "الماك" فرحات مهني شكر مبادرة العاهل المغربي، عندما قال إن "منطقة القبائل الحرة ستكتب اسم محمد السادس بأحرف من ذهب " و "أن تصريح ممثل المغرب بمنظمة الأممالمتحدة قد غير المعطى الذي يتحكم في العلاقات الجزائرية المغربية". مثل هذا التصريح كفيل بإضفاء الشرعية على "الماك" من قبل المخزن، الذي تبين بما لايدع مجالا للشك دعمه له، مثلما دعم في السابق تنظيمات ارهابية لتنفيذ اعتداءات على الجزائر انطلاقا من أراضيه بشهادة الارهابيين الذين آواهم الملك الرحل الحسن الثاني في أحد قصوره بمنطقة سلا. ويحاول رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وقبل ذلك بيان وزارة الخارجية المغربية تمويه الرأي العام الدولي بالسير عكس التيار، من خلال الظهور بمظهر الحمل الوديع، في الوقت الذي يتخفى الذئب المفترس بين القطيع، متحينا الفرصة للتكشير عن أنيابه قبل الانقضاض على فرائسه، فالنية المبيتة للمغرب الذي لطالما صنف الجزائر على لسان قنصله السابق بوهران، على أنها دولة "عدوة"، تجعل الجزائر متحفظة دائما من التاريخ العدائي للمخزن تجاهها. كما لا تندرج مثل هذه التصريحات سوى في خانة الحيل التي عودنا عليها المخزن، الذي وجد نفسه منعزلا على الساحة الإقليمية، بعد أن تسبب في عداءات كثيرة طالت عدة دول اوروبية مثل المانيا وهولندا واسبانيا. معهد ألماني يشدد على التصدي لسياسات المغرب التوسعية وكانت دراسة أعدها المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية منذ شهر فقط، قد دعت دول الاتحاد الأوروبي لمراجعة استراتيجيتها في منطقة المغرب العربي والعمل من أجل وقف محاولات الهيمنة التي يقوم بها المغرب من خلال ممارساته المنافية للقانون الدولي في المنطقة المغاربية، والتي وضعت هذه الاخيرة تحت رحمة نزاع إقليمي عمره أكثر من أربعة عقود. ووقفت الدراسة على حقيقة، مفادها أن الامتيازات الاقتصادية والمساعدات التي كثيرا ما استفادت منها المغرب في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، على حساب جيرانها مثل الجزائر وتونس، لم تساعد على جعلها جارا موثوقا به، بل دولة مارقة تسعى إلى الهيمنة، مشددة على ضرورة التصدي لسياسات المغرب التوسعية والتي تسببت في حدوث توترات، خصوصا مع الجزائر.