أدرك قادة الثورة الجزائرية مبكرا، أهمية الصورة في الحرب الإعلامية لمواجهة الدعاية الفرنسية، فأنشأ جيش التحرير الوطني، ثم الحكومة المؤقتة مصلحة التصوير السينماتوغرافي، تحت إشراف جمال شندرلي، تلاه آخرون من جزائريين وأجانب متعاطفين مع الثورة وقضية الشعب الجزائري العادلة، لتواصل الماكينة السينمائية مهمتها بعد الاستقلال، وتؤرخ للثورة بالروائع التي وقعها مخرجون من أجيال مختلفة. ركز مؤتمر الصومام سنة 1956 على استعمال الوسائل السمعية البصرية لدعم الثورة، فكانت الأعمال المصورة بمثابة لفت انتباه الرأي الدولي لكفاح الجزائر، وتعبئة لمساندة جبهة التحرير. وأشار السيد أحمد بجاوي في كتاباته عن السينما الجزائرية، إلى أنه كان بحق جيلا استثنائيا موهوبا سياسيا، لعب دورا هاما في عملية جمع الصور وتأطير السينمائيين. سينما الجبال أكد بجاوي أن بعض الفضل يعود إلى الراحل امحمد يزيد، مع عرض فيلمين جزائريين، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم تصميمهما من أجل تحضير الديبلوماسيين للاعتراف بحق الجزائريين في تقرير المصير، فقد أبكى فيلم "ياسمينة" الحضور، وأظهر فيلم "بنادق الحرية" عزيمة شعب بأكمله. وهكذا استطاع الفيلم الجزائري تمثيل الثورة، مبرزا خصوصيات المجتمع الجزائري الذي يتوق للحرية وواقفا أمام حرب الصور، وكانت السينما حينها، عصارة لمقاومة ثقافية استمرت عقودا. أنشأت الحكومة المؤقتة دائرة السينما التي قدمت عدة أعمال، ومن أهم الأفلام نجد "صوت الشعب" لشندرلي، وحامينا قدما فيه أسباب اندلاع الثورة المسلحة، كما أصبح الدكتور شولي وزوجته كلودين أعضاء ملحقين بخلية الاتصال في الحكومة المؤقتة، ساهما في إعداد النصوص والمقالات، خاصة تعاليق الأفلام التي أنجز من طرف أعضاء مصلحة الاتصال. كان ينبغي حسب المؤرخين- أن تستند الحملة الانتخابية على إنتاج وجمع الوثائق والصور والأفلام، على أن تتولى المصالح التي أنشئت على مستوى المحافظين السياسيين، استقبال ومرافقة المحررين في الجبال، ونقل الصور من الداخل، وسرعان ما كشفت هذه الأفلام عن أهميتها. جرى الاتصال بجمال شندرلي، وهو الرجل الذي أعطى زخما لإرادة قادة الثورة، في استخدام السينما كسلاح في المعركة السياسية والديبلوماسية، علما أنه كان لشندرلي باع طويل في المهنة، حيث شارك مع الراحل طاهر حناش في إنتاج بعض الأفلام منذ الأربعينيات، وهكذا قدم للجزائر وثورتها النواة الأولى لخدمة التصوير الفوتوغرافي، ثم السينمائي في تونس، وقام بتصوير العديد من أحداث الثورة، وكذا المذابح التي ارتكبها الأوربيون، منها حوادث "بليسطرو" وأحداث الشمال القسنطيني وغيرها، كما قام بتركيب مخبر للصور في شقته، بإشراف قادة الثورة في القاعدة الشرقية. هناك اسم آخر، هو الراحل روني فوتيي المرتبط بميلاد السينما الجزائرية، حيث صور فيلمه الشهير "الجزائر تحترق بأوراس النمامشة"، كما صور أحداث ساقية سيدي يوسف سنة 58، وأصيب بجروح وكان يقول "كنت أبكي مثل العجل وأنا خلف الكاميرا" من هول ما رأى. كان فوتيي يقلل من أهمية مدرسة السينما، ويقول "لقد عدت ثانية إلى الجزائر مع بعض الرجال الذين حاولوا جميعا استخدام العتاد، كانت لدي كاميرا صغيرة وكاميرا أخرى للهواة، كما كان لدينا جهاز تسجيل صغير، لا يمكننا القول إنها كانت مدرسة للسينما في الجبال، لقد كانوا رجالا يحملون عتادا ويتعلمون استخدامه"، ويضيف "إن مدرسة السينما للمنطقة الخامسة للولاية الأولى، التي أنشئت في بداية 57، لم تزدهر، لأن أغلبية المنتمين إليها قتلوا جميعا". كان مرافق فوتيي في الجبال، أحمد راشدي، يذهل من شجاعته ودخوله مجال الخطر، مثلما كان الحال عند تصوير قطار الونزة الملغم، وكذا في فيلم "صور من أجل الحرية"، كما أنتج فيلما بعنوان "الأمة الجزائرية" استعرض فيه التاريخ الأسود لفرنسا. سينمائيون آخرون سجلوا أسماءهم من ذهب، منهم بيار كليمنت الذي تأثر بحادثة ساقية سيدي يوسف، مما دفعه إلى الانضمام للثورة، وكان تلميذه أحمد راشدي، وأيضا كان السينمائي يان لو ماسون وسيسيل ديكوجيس وستيفان لابودفيتش وغيرهم كثيرون. سينما فجر الاستقلال كتب الراحل عبد المجيد مرداسي ذات مرة، أنه كان هناك دعم رسمي لتعزيز الروابط الوطنية وتكوين المخيال الجماعي، وتميزت السنوات الثلاث الأولى، بالسباق نحو أول فيلم طويل للجزائر المستقلة. كما اجتهد فوتيي في هذه الفترة، لتحقيق حلم فيلمه الطويل "شعب يسير"، ليخرج للعلن سنة 63، بمشاركة مجموعة من السينمائيين الشباب، منهم أحمد راشدي وبوعماري ونصر الدين غنيفي وغيرهم، ثم وقع فيلمه "أن تكون لك 20 سنة في الأوراس" بداية السبعينات. مع بداية سنة 63، بدأ حامينا يحضر لفيلمه "ريح الأوراس"، الذي لم يجهز حتى سنة 67، كما قدم جاك شاربي "سلم فتي جدا" أهداه لجيل الاستقلال، وخاصة لأبناء الشهداء، وقدم أحمد راشدي "فجر المعذبين" سنة 65، كما شهدت هذه السنة خروج فيلم "الليل يخاف من الشمس" لمصطفى بديع، في 3 ساعات، وهو عرض نال الإعجاب بسبب مستواه الراقي. حاولت السينما الجزائرية منذ الاستقلال، المساهمة بإمكانياتها في كتابة التاريخ، وعنها قال غي أوستن "ولدت السينما الجزائرية من رحم حرب التحرير، وهي مسكونة بالتاريخ الذي ترد إليه تبعيتها المتواترة إزاء الصدمة الوطنية، التي تعود بدايتها الكبيرة إلى معركة الجزائر"، والذي أنتجته القصبة، الفيلم من إخراج بورتي كورفو، وقد ساهم في ترقية صورة الجزائر عبر العالم. أنتج القطاع السينماتوغرافي العام بالجزائر، عشرات الأفلام الطويلة والوثائقية المخصصة لحرب التحرير، وكانت الأفلام الأكثر حضورا هي "العفيون والعصا" و"دورية نحو الشرق" و"ريح الأوراس"، وكلها ذات طابع ريفي لم تتطرق لدور النخب في المدن. يعود اسم عمار العسكري، عضو جيش التحرير، بفضل رائعته "دورية نحو الشرق" المأخوذ عن وقائع حقيقية، حيث يتضمن جانبا وثائقيا مهما، خاصة عندما يصف الحياة في الجبال، كما يؤكد بجاوي في كتابه "السينما وحرب التحرير"، ليبقى الفيلم صورة للعصر الذهبي للسينما الجزائرية بعد الاستقلال. كما يبرز اسم لخضر حامينا ابن مدرسة براغ السينمائية، فقد صور الأفلام التسجيلية بتونس، ثم أصبح مديرا لديوان الأحداث الجزائرية وأنجز فيلمه الناجح "زمن صورة"، يبين فيه حياة الجزائريين إبان الثورة، كما لاقى فيلمه "ياسمينة" تكريمات دولية، عرفانا بالمرأة الجزائرية المجاهدة. نفس النجاح عرفه فيلم "العفيون والعصى" لأحمد راشدي، كأول فيلم طويل له، يسرد مصير الطبيب بشير لزرق، وفي هذا الوقت كان المخرج يتولى إدارة الديوان الوطني للسينما والصناعة السينماتوغرافية، واستعان بمدير التصوير الكبير رشيد مرابطين، الذي أبرز سحر البيئة القبائلية، وظهر الملحن فليب أرتوي الذي يعتمده حامينا في أفلامه، ونجح الفيلم وشاهده في القاعات مليوني جزائري (2)، ثم جاء فيلم الراحل محمد زينات "تحيا يا ديدو" الذي جسد سينما الواقع في قالب درامي خيالي، ولا تزال صورة التقاء الجلاد والضحية في المطعم من أقوى المشاهد عن الثورة، علما أن المناضل بيار كليمنت كان مدير التصوير للفيلم، إلى جانب علي ماروك وبرونو مويل. من الروائع أيضا "حسان طيرو" للراحل رويشد، الذي كسر الطابع البطولي (الطابوهات)، فقد صور بأسلوب ساخر جزائريا جبانا، لكنه عند التحقيق يدوخ ضباط فرنسا. فيلم "الطريق" الذي أخرجه محمد سليم رياض لم يكن أقل حضورا، من خلال المعتقلين الجزائريين في سجون فرنسا (عرض مؤخرا على التلفزيون الجزائري)، وكان بمثابة التزام اتجاه رفقائه في الكفاح، كما كان رحمه الله يعتبر الفيلم رسالة لأجيال الغد، خاصة في الصمود أمام الجلاد، وفي عقر داره بفرنسا، ورغم الأسر، كان الرفض مباشرا لديغول في "صلح الشجعان" سبتمبر 58. أفلام أخرى تأبى النسيان منها؛ "ديسمبر" لحامينا الذي يسرد جرائم التعذيب بعد مظاهرات 11 ديسمبر 1960، و"سلام فتي جدا" لجاك شرابي، ومن الروائع أيضا "نوة" لعبد العزيز طالبي و"الغاصبون" لأمين مرباح، التي توثق تاريخ الريف إبان الثورة وقبلها. استمرت سينما الثورة في الإنتاج بجوانب أخرى، تتعلق بآثار الحرب، منها "حصاد الصلب" للغوثي بن ددوش، الذي يستنطق الإرث الاستعماري من خلال الألغام، وكذا "السنوات المجنونة للتويست"، الذي يعرض حالة شابين بعد الاستقلال. لم يتوقف الإنتاج ليظهر فيلم "أبواب الصمت" للعسكري وغيره من الأفلام، لأجيال صاعدة لها نظرتها لتاريخ ثورتنا، منها رشيد بوشارب في "الخارجون عن القانون" و"هيبوليس" لجعفر قاسم، و"البئر" لبوشوشي وهكذا. مريم. ن سينما الثورة في الجزائر حفاظ على الذاكرة وردع للمراوغين تميزت سينما الثورة في الجزائر بأمرين، منها التي تروي حكايات أبطال التحرير ضد المحتل الفرنسي، ومنها التي تحكي قصص أحداث تاريخية بالغة الأهمية، تقدم غالبا من خلال فيلم روائي طويل، تسعى إلى حفظ الذاكرة الجزائرية من أي تشوه قد يشوبها، بل وأكثر من ذلك، فهي مدافع قوي لها، لكن بشكل فني ذو جمالية، مع الملاحظة أن الأفلام الوثائقية هامة أيضا، لكنها ربما لا تستهوي الكثير من المخرجين، إلا فيما ندر، رغم أن المادة التاريخية متوفرة. معروف أن تاريخ السينما الجزائرية يغلب عليه موضوع الثورة التحريرية 1 نوفمبر 1954، والمقاومات الشعبية الكثيرة التي اندلعت منذ وطأ المحتل الفرنسي أرض الوطن، ولم يبدأ ذلك منذ فجر الاستقلال في 1962، إنما قبل ذلك بأعوام، بفضل فكرة جيش التحرير حينها، لما تفطن لأهمية الصورة للحديث عن القضية الجزائرية العادلة عالميا، وأنجزت العديد من الأفلام الوثائقية، بفضل أصدقاء الثورة الفرنسيين، بالتعاون مع المواهب الجزائرية الشابة. تواصل الأمر بعد الانعتاق من وحشية المستعمر المتوحش، ولم تتوقف السينما الجزائرية في إدانة جرائم فرنسا العديدة والفظيعة، التي تكبدها الإنسان والأرض معا. في الوقت عينه، أبرزت هذه السينما بسالة وشجاعة المقاومة الجزائرية، رافضة بذلك أي تفسير سياسي أو عسكري كاذب من العدو الفرنسي، عن طريق سرد الحقائق كما هي بصريا. يراوغ المسؤولون الفرنسيون منذ البدايات، ولا يزالون يفعلون، آخرها تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عن حقيقة وجود الأمة الجزائرية قبل المحتل، وقبلها أيضا نتذكر إصدار الحكومة الفرنسية لقانون يمجد المحتل في المستعمرات في 2005، وضمنيا تشتغل فرنسا على تسويق صورة بشعة عن الجزائر، من خلال بعض الأفلام والوثائقيات الموجهة، لأنها في الحقيقة، لا تزال تعيش بعقدة الكراهية للجزائر، وتفعل ذلك باسم الحرية والديمقراطية، لكنها عبثا تفعل مع ما يجري في فلسطين، وما يتكبده شعبها من قتل وجوع وظلم كل يوم من المحتل الإسرائيلي. لذلك، لابد للسينما الجزائرية أن تتحرك إلى سرعة أعلى، للاشتغال على الأفلام الوثائقية، ورصد أكبر قدر من الحقائق التي تكشف عورة المحتل الفرنسي، وحتى نظامه اليوم، عن ما فعله في ليبيا والعراق والعديد من الدول العربية التي ضيعها، من أجل مصالحه، على حساب شعوب مظلومة، وليس فقط في الجزائر. ربما يجب على السينمائيين الجزائريين الشباب أن يواصلوا ما فعله السابقون، من أمثال لخضر حمينة وأحمد راشدي وغيرهم، في سرد القصص التاريخية الحقيقية دون تدنيس أو تقديس، بخيال لامع وفنيات مختلفة، وبعيدا عن أي مبالغة، وبهذا يمكن الحفاظ عن الذاكرة الجزائرية وصون تاريخها بأمجاده وأخطائه، ففي الأخير ليس هناك أفضل من قول الحقيقة. الفكرة الأهم من كل ما سبق ذكره، هو العمل على الترويج لهذه المنتوجات السينمائية، ليس العرض فقط في القاعات، بل بتكثيف المشاركة في المهرجانات، تأسيس لمهرجانات كبيرة في الجزائر، وضع خطط للتسويق العالمي، عرضها على التلفزيونات الوطنية والأجنبية، وعلى المنصات الالكترونية، فالسينما اليوم تسع كل شيء. دليلة مالك الناقد علاوة وهبي ل"المساء": السينما أحسن سفير للثورة اختار الناقد علاوة وهبي في حديثه ل"المساء"، أن يكون عنوان كلمته هذه، هو "الزخف نحو النور"، وقد أخذه من عنوان عمل قدمته الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، بعد تأسيسها في تونس، وهو، حسب المتحدث، الزحف نحو الحرية والانعتاق من قيود الاستعمار الفرنسي، الذي جثم على صدر الشعب الجزائري لأزيد من مائة وثلاثين سنة. يقول محدث "المساء"، إن الشعب الجزائري "شهد كل أنواع القهر والتعذيب، وكان لزاما عليه أن يخرج إلى نور الحرية، باتخاذ كل الوسائل الممكنة"، وأشار إلى أن الحركة الفنية في الجزائر، عرفت مضايقات شديدة من الرقابة الاستعمارية على كل ما تقدمه من أعمال، خاصة تلك الوطنية، وقد توقفت أغلب الفرق الفنية عن النشاط خلال الحرب العالمية الثانية (1939/ 1945) احتجاجا ونفورا من مطلب السلطات الاستعمارية من هذه الفرق المشاركة في الترفيه عن الجيوش المحاربة، واستمر التوقف إلى سنة 1950، حيث عادت بعض الفرق إلى النشاط، ثم التوقف مرة أخرى، مع اندلاع الثورة التحريرية، وإلى غاية 1957، تاريخ تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، التي تضم كل الفنون من مسرح وموسيقى وغناء وسينما ورقص، وحتى الفن التشكيلي. يقول المتحدث "استدعت جبهة التحرير الوطني الفنان الراحل مصطفى كاتب إلى تونس، وكلفته بتأسيس فرقتها الفنية، وقد لبى أغلب الفنانين نداء الجبهة، وانضموا إلى صفوفها، ليواصلوا ما كانوا يقومون به قبل الثورة، من توعية للشعب بعدالة قضيته وحقه في الحرية واستعادة سيادة البلاد، ثم تعريفا بالقضية أمام شعوب العالم، وكانت بحق سفيرا لثورة التحرير، لتقدم أول عمل لها بعنوان "نحو النور"، وهو عبارة عن لوحات فنية من مختلف مناطق الجزائر، رقصا وغناء ولباسا، وقد قدمته الفرقة في عدة دول معرفة من خلاله بالجزائر وثورتها وتراثها، الذي يختلف تماما عما كانت تروج له الدعاية الفرنسية. أولى الإنتاجات السنيمائية كانت مع شندرلي وروني فوتيي وغيرهم، كأحمد راشدي، وحملت تلك الأفلام مأساة الشعب وتصديه لوحشية المستعمر الغاشم، الذي مارس كل أمر بشع، تلك الصور صدمت العالم وجعلته يدرك هذا الكفاح، بالتالي يسانده، وكانت الصورة بحق المعبر عن هذا الواقع المؤلم، علما أن التصوير كان في الجبال، وفي أماكن الأحداث، ناهيك عن تصوير بعض يوميات الجيش الجزائري المكافح، وكذا حياة الفلاحين البسطاء وغيرها، ليمتد هذا الالتزام إلى ما بعد الاستقلال من خلال روائع سينمائية خالدة. مريم. ن الدكتور عمار بلخوجة ل"المساء": على المؤرخين الإشراف على سينما الثورة أشار المؤرخ عمار بلخوجة خلال حديثه ل"المساء"، مؤخرا، إلى أنه من واجب السينما الجزائرية الدفاع عن ذاكرتنا المشتركة، سواء تعلق الأمر بتاريخ المقاومات الشعبية، أو الحركة الوطنية أو ثورة التحرير، فذلك بالنسبة إليه، في غاية الأهمية، خاصة بالنسبة للأجيال، فمشاهدة فيلم تعني إعادة بناء أحداث التاريخ، بالتنسيق والإشراف من المختصين. كما اعتبر المتحدث عمل السينمائيين بمثابة الرد على مزاعم الفرنسيين، وأي غياب قد يساهم في نسيان بعض تلك الأحداث والتفاصيل التي يحتاجها شباب اليوم والغد، زد على ذلك، فإن البحث الذي تقدمه وتطرحه السينما، من شأنه أن يحيي تلك الأحداث، ويعطي لها أبعادا مهمة ويواجه بها تهديدات اليوم. عمل السينمائيين والفن عموما مطلوب، حسب الدكتور بلخوجة، لكشف تاريخنا الوطني وإعادة بعض أحداثه للواجهة، بالتالي فضح ما كان من جرائم واعتداء سافر على شعبنا الأبي، فبعض التاريخ لم يكن يدركه عامة الناس حتى عرضته الكاميرا. أشار المتحدث، إلى أن أي إنتاج سينمائي تاريخي يحتاج لمؤرخين يرافقونه، وأعطى مثالا عن فيلم الأمير عبد القادر، الذي يتطلب لوحده 3 أو 4 مستشارين، وهو الأمر الذي كان قد اقترحه على رئاسة الجمهورية، على اعتباره مؤرخا وعضوا مؤسسا في مؤسسة "الأمير عبد القادر"، وأوضح أن هذه الشخصية التاريخية الثقيلة والعابرة للحدود، يلزمها الكثير من التدقيق التاريخي، فالأمير كان شخصية القرن ال19، جاهد وناضل وبنى الدولة الجزائرية العصرية، وصاحب الخصال والمثل والقلم والسيف والتصوف، قال عنه جاك بارك، إنه مؤسس النهضة العربية الإسلامية في العصر الحديث، بالتالي يرى المتحدث أن السينما تأخرت كثيرا في تناول هذا التاريخ الوطني الهام، علما أن فيلما واحدا لا يكفي لتناول كل سيرة الأمير، على اعتبار أن هناك مراحل مختلفة ومتعددة، منها مرحلة الحرب، حيث نظم جيشه بلباسه وعتاده وتدريبه ومراتبه العسكرية وانتصاراته، وتميزه في حرب العصابات، وكذا بنائه لدولته الوطنية بمدنها ومؤسساتها، ثم مرحلة السجن، فمرحلة الروحانيات بدمشق، وقس على ذلك أحداث وشخصيات تاريخية أخرى. أكد الدكتور بلخوجة، أنه من الواجب أن يكون هناك التزام سياسي بهذا التاريخ الوطني المجيد، علما أنه حاضر اليوم وبقوة، من طرف الدولة الجزائرية الرسمية، وهكذا سيتم وضع الأمور في نصابها اتجاه تاريخنا وذاكرتنا، التي تحتاج للتوثيق والتأريخ والتفعيل، خاصة من طرف الفن السابع. كما أشار المتحدث إلى تكلفة هذه الأفلام التاريخية، بالتالي فهي تحتاج إلى دعم الدولة بالمال والإمكانيات، وكذا للأرشيف، علما أنه غير متوفر بكثرة، خاصة ما تعلق بالمقاومة وحرب التحرير، وبالتحديد في بعض التفاصيل التي لم يتم تداولها أو تسجيلها. مريم. ن