استحضر موعد مكتبة «شايب دزاير» أوّل أمس، ذاكرة عملاقي الفن السابع الجزائريين الراحلين طاهر حناش وجمال الدين شندرلي اللذين أسسا ركائز السينما الجزائرية، لكنهما ظلا منسيان بعدما طالهما التهميش لسنوات رغم العطاءات وتكوينهما لجيل من السينمائيين البارزين.. اللقاء كان فرصة للحث على التوثيق وحفظ الذاكرة السينمائية الجزائرية التي ينخرها النسيان والضياع. في كلمته الترحيبية، أشار السيد سيد علي صخري إلى أنه تعرف على هذين العملاقين من خلال مقال كتبه علي عايد في الصحافة الوطنية بعنوان «الجزائر تحت وطأة السينما الفرنسية» وكذا في كتاب لأحمد بجاوي بعنوان «السينما والحرب التحريرية»، وأكد صخري أن الجزائر احتضنت السينما بعد سنتين من ظهورها، أي عام 1896، لكن الصورة كانت دوما في يد المستعمر يوظّفها لتجميل صورته بالجزائر لذلك أنجز 100 فيلم سينمائي، إلى أن اندلعت حرب التحرير وقرّر مؤتمر الصومام تعزيز هذا الجانب من خلال إنشاء مؤسّسات سينمائية، علما أنه قبلها، أي في سنة 1954 تأسس المركز الوطني للسينما. طاهر حناش مؤسس الفن السابع بالجزائر بعدها تقدم الفنان عبد الحميد رابية ليقدّم عرضا عن هذين السينمائيين، والبداية كانت مع الطاهر حناش الذي ولد بقسنطينة في 26 نوفمبر 1898 وكان والده ثريا يملك المذابح ومصانع الكبريت والسجائر وكان وطنيا لكنه أفلس سنة 1916 ثم توفي ابنه الصغير الذي عشق المالوف ثم توفت العمة وساد الفقر فتأثر الطاهر بكل ذلك، لكنّه ظلّ وفيا للصورة، وكان يتسلّل بين المعمرين لدخول القاعات (منها روايال) التي كانت حينها محرمة على الجزائريين، وقبلها كان كلما خرج من المدرسة، يتّجه إلى الساحات العمومية لمشاهدة أفلام السينما المتنقلة، حيث كانت تعرض الأفلام الفرنسية والأجنبية، لاسيما الوثائقية منها والموجهة للدعاية لفائدة الاستعمار الفرنسي، كما قادته الصدفة وحب الاطلاع وجرته لأول مرة إلى ورشة بناء أول قاعة سينما «نيماز» المسماة حاليا سينما «رمال»، تم بناؤها بمدينة قسنطينة أثناء فترة الاحتلال. وأشار رابية إلى أنّ الطاهر حناش كان عملاقا في تحليل وتفكيك اللقطات، وفي سنة 1922 أدى الخدمة العسكرية وبعدها رحل إلى فرنسا ودخل المجال السينمائي وعمل في الأدوار الثانوية وشارك في روائع السينما الفرنسية (غير الناطقة) ذات الصيت العالمي، وابتداء من 1928 دخل مجال الاحتراف فعمل في فيلم «أبناء الشمس» وكان يؤدي كلّ المهام التقنية ويتتبّع أداء الممثلين، ثم شارك في أكبر الأفلام السينمائية الناطقة مع أبرز النجوم منهم «فيرناندال» وعمل مع رواد السينما العصرية، أي التي تلت أعمال الإخوة لوميار، وكان أول جزائري يتحصل على البطاقة المهنية كسينمائي محترف تحت رقم 7951 وشارك في 80 فيلما كمدير تصوير. عندما وصل حناش إلى قمة المجد، أسس شركته للإنتاج السينمائي وأنتج «عند أبواب الصحراء» وهو فيلم ينتقد فيه الكولون، لكن الفيلم كغيره من بعض الأفلام، ضاع خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء هذه الحرب عمل المخرج ضابطا، وانضم إلى فرقة المخرجين المجندين ثم عمل ابتداء من 1943 مراسلا حربيا وأنجز أفلاما وثائقية، بعدها شارك في أول فيلم روائي بالعربية وكان غنائيا بمشاركة بشطارزي وكلثوم والجاموسي وممثلين من المغرب. ويعتبر حناش أيضا من مؤسسي السينما المغربية، ونتيجة هذا الصيت طلب للعمل بمصر وفيها مثل منتوري وحبيب رضا وكلثوم، وفي 1946 حاول تكريم مدينته قسنطينة بفيلم «قسنطينة»، ظهر فيه التزامه الوطني، لكنه تعرض للرقابة، وبعدها أسّس شركته الثانية «أفلام الطاهر»، وفي 1952 أنتج أوّل فيلم جزائري مائة بالمائة بعنوان «غطاس الصحراء» من بطولة الراحل مومو وجمال الدين شندرلي والموسيقى لإقربوشن، وبعدها شارك في مهرجان «كان» السينمائي كجزائري ولاقى التهميش. أنتج الراحل عدة أشرطة للتلفزة الاستعمارية بالجزائر وعمل مع الراحل التوري وحميد نمري وغيرهما. وبعد الاستقلال، التحق بالإذاعة والتلفزيون وكان مشرفا على وحدة مسرح السمعي البصري وأشرف على عدة حصص وكان يكوّن التقنيين والمخرجين الذين عملوا في السينما وأولها فيلم «الليل يخاف من الشمس» لمصطفى بديع. قدمت خلال هذا اللقاء ابنة الراحل السيدة ثريا حناش شهادات عن والدها، وقالت إنه كان متواضعا رغم شهرته ومساره الحافل، كان يشرف على نقل مقابلات رياضية ويتلقى أجر تقني مبتدئ، وكان المال لا يهمه، بقدر اهتمامه بتكوين جيل من السينمائيين والمخرجين والفنانين، ونتيجة لذلك، أحبه تلاميذه منهم الراحل الحاج عبد الرحمان (المفتش الطاهر) الذي سمى نفسه على اسم أستاذه، عندما دخل التمثيل، علما أنه كان مصورا سينمائيا. وفي سنة 1970 تقاعد حناش ومعه أرشيفه الغني الذي تحتفظبه ثريا، وبعد مشوار حافل قارب 60 عاما من العطاء السينمائي، رحل حناش في الفاتح أوت سنة 1972 تاركا 4 بنات، أصغرهن كانت ذات 18 شهرا، حضرت بدورها اللقاء، كما أكّدت المتحدثة أنّ والدها تعرض للتهميش، ولم يتم الحديث عن أب السينما الجزائرية إلا سنة 1992. كما أكدّ رابية بأنّ طاهر حنّاش رجل منسي اليوم ويجهل سبب ذلك، رغم أنّه قدّم الكثير وأنجز للتلفزيون العديد من الأعمال مع الراحلين رويشد وكلثوم، كما حارب المستعمر بالكاميرا والصورة. بعدها تم عرض مقتطفات من رائعة «غواص الصحراء» حيث نزل مومو إلى قاع بئر بواحات الصحراء بعمق 60 مترا وبمحيط 1متر مربع لينظفه ويسقي السكان والمواشي والواحات التي قتلها العطش. شندرلي اسم لامع في سجل السينما في سياق متصل، أكد السيد رابية، أن جمال الدين شندرلي هو ابن أخت الراحل الطاهر حناش وعمل معه في أول فيلم جزائري «غطاس الصحراء» سنة 1952 حيث مثل في دور ابن مومو وساعد أيضا في المجال التقني، إلا أن اسم شندرلي ظل مرتبطا بالثورة التحريرية، حيث نقل وقائع وصور من عمق المناطق المحررة، وكانت الكاميرا في يده شاهدة على الجرائم والاعتداءات وبذلك كانت سلاحا آخر وحجة ضربت ديغول وفرنسا. أشار السيد رابية إلى أن شندرلي ولد بعنابة سنة 1924 وتعلم من خاله حناش الكثير، ثم تكوّن من خلال دراسته، وعمل في عدة صحف باريسية، وفي سنة 1947 كان أول من قدم روبورتاجا مصورا عن مناسك الحج نشر بجريدة «باري ماتش»، كما عمل مراسلا في عدة أماكن، وبعد 54 انضم إلى صفوف الثورة بوهران، وفي 1955 صوّر جنازة الطبيب بن زرجب سنة 56 وكذا دفن جثث شهداء الأخضرية، وعمل تحت إشراف إبراهيم مزهودي، مسؤول السمعي البصري بالثورة، ثم إلتحق بالجبال ودخل الشمال القسنطيني، وفي 58 صور الميلية وفضح فيها ممارسات العدو واستعماله للأسلحة المحرمة منها النابالم، وفي 8 فيفري 56 صور مجزرة سيدي يوسف، وبعث بالفيلم لأخيه عبد القادر شندرلي ممثل الحكومة المؤقتة بهيئة الأممالمتحدة، فأصيب ديغول بالجنون والذعر، متسائلا عن مصدر هذه الصور الحية، لتشن حملة دولية ضد فرنسا، وعملت الحكومة المؤقتة ابتداء من 58 على تأسيس مصلحة السينما، وكان بها جنود سينمائيون منهم لخضر حامينة والعسكري وأحمد راشدي تكونوا في الجبال ومنهم آخرون استشهدوا ذكر منهم المتحدث علي جناوي والغوتي خروبي ورايس ومعمر زيتوني وفاضل محمود وعثمان بن مرابط وغيرهم. أشرف شندرلي على بعض الأفلام التي أنتجها راشدي وحامينة منها «جزائرنا» في 1960 و»صوت الشعب» و»ياسمينة» سنة 1961، علما أنّ نيجاتيف هذه الأفلام موجود حاليا بالخارج. في سنة 1963 كان شندرلي أول مسؤول على ديوان الأحداث المصورة بالتلفزيون وفي 69 عاد إلى فرنسا وأصبح مدير المركز الثقافي الجزائري بباريس إلى غاية 1990. شجون سينمائية مؤلمة تميزت المناقشة التي أعقبت اللقاء بالثراء وبحرارة المشاعر أثارها زملاء الراحل وتلاميذه وبعض المخرجين والكتاب الذين تطرقوا لكتابات جمال بوسلامة وجمال محمد محمدي اللذان وثقا للراحل حناش، أما المخرج مهداوي، فتناول واقع السينما الجزائرية اليوم الذي اتفق الحضور على أنه مؤلم، وبالتالي كان يجب الالتفات إلى تراث الرواد الذي هو مدرسة في الفن والالتزام وهو جزء من الهوية الجزائرية وهنا طرح مشكل نقص المؤرخين السينمائيين عندنا، مؤكدا على ضرورة البحث في الأرشيف، علما أن أفلاما غير موقعة وبدون جنيريك أنجزت في زمن الثورة التحريرية وحان الوقت اليوم لتصنيفها، وقال مهداوي إنه بصدد التحضير لفيلم وثائقي من أجل هؤلاء لكن الأرشيف يعترضه بالفوضى التي يعيشها. أما المخرج عبد الرحيم لنوي الذي كان من تلاميذ الراحل حناش، فتحدث عن قيم الراحل حناش الفنية والأخلاقية وفلسفته السينمائية القائمة على فتح مجالات الحوار.