يخصص المركز الثقافي الجزائريبباريس، يوم الجمعة 25 فيفري الجاري، سهرة للاحتفاء بالمسيرة الإبداعية للتشكيلي رشيد قريشي التي تمتد لأكثر من ستة عقود، بحضور المحتفى به، وأسماء وازنة في حقل الثقافة والفنون، على غرار الخبير الدولي منير بوشناقي، والباحث المعروف أحمد جبار. الاحتفالية المقامة على شرف قريشي التي تنطلق من مبدأ "الفن.. جبهة"، ستكون للوقوف عند أهم محطات حياة المتوَّج بجائزة محمود درويش للإبداع عام 2021، من خلال فيلم وثائقي بعنوان "حتى ظلي يشتاق إليك" للصحفي والمخرج لوران بولارد، وكذا المصور الرحال فيرانت فيرانتي الذي يقترح المسار الفني لقريشي عبر الصور، ناهيك عن الحضور المميز لاسمين من الأسماء الفكرية الوازنة؛ الخبير في التراث الثقافي منير بوشناقي، والعالِم الباحث في تاريخ العلوم والرياضيات أحمد جبار. ويُعد رشيد قريشي حالة مسكونة بالتصوف. لوحاته تعطيك إحساسا فوريا بروحانية الإسلام؛ ربما لنشأته في الجزائر، ورؤيته لأقطاب التصوف ومشايخ الزوايا هناك، وإصرار أسرته على تعليمه العربية، وتحفيظه القرآن في ظل هيمنة فرنسية على أوضاع البلد، ومستقبل مظلم ينتظر الناس فيه الموت مع مرور كل لحظة، فهو من مواليد عام 1947، شب في منطقة جبال الأوراس، درس الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة وفي باريس، ويهتم بالبحث في روح الخط العربي وعلاماته وتصاميم المخطوطات الشعبية المغاربية، وبالثقافة الصوفية. وتتسم أعماله بالتحرر والحيوية، وتجمع بين التقاليد القديمة والحداثة. قريشي لديه فلسفة خاصة به لا يحيد عنها، وهو يؤمن بضرورة التجاور بين الحضارات الإنسانية، كما إنه مولع بالتجريب؛ جرب الرسم على الخيم البدوية بألوان حديثة، حتى يربط بين خشونة البداوة وملامح المدنية العصرية، وهو، أيضا، فنان جوال، أقام معارضه بالعديد من دول العالم شرقا وغربا، يتضايق كثيرا حينما يصفه أحد بالخطاط؛ فالخط موضوع في لوحاته، تتجاور معها مواضيع أخرى متعددة. ويرى قريشي أن الموت شيء طبيعي، ولكن الفنان لا يموت، ويتم تخليده، ويُذكر دائما خاصة إذا ترك بصمة كبيرة في أعماله. كما إن التعامل مع الدين باعتباره مجرد فريضة، شيء خاطئ، نريده أن يكون حضارة كاملة، كل طرف فيه يحترم الطرف الآخر، فالفنان يريد أن يشكل بحرية؛ قال في أحد اللقاءات الإعلامية: "الفنان بدون حرية كيف يبدع؟ كيف يكون فنانا من الأساس؟ كلنا أولاد دين واحد، إنساني، متسامح، ولهذا لا بد أن نتعلم التسامح في علاقاتنا ببعضنا البعض، ولا بد، أيضا، أن نتعلم فكرة التجاور، كل الأفكار الجيدة تصلح للبقاء معا". صاحب "طريق الورود" يرفض أن يوصف بالخطاط؛ فلوحاته تحمل الكثير من الخط العربي، وبالأخص من اليسار إلى اليمين، وفي هذا الصدد يقول بأن المتصوفين كانوا يغلقون النصوص، ولكنهم يتركون مفاتيح؛ "الحلاج قال "أنا الحق"، ما الذي كان يقصده؟ هذا ما سيجيب عليه كل شخص حسب الرؤية الإلهية التي وهبها الله له؛ أنا أفعل ذلك لجوءا إلى الترميز. ليوناردو دافنشي عمل "شغل مقلوب"، هناك فنانون لديهم نوع من الفلسفة ولا يرغبون في ترك أعمالهم مفتوحة أمام كل الناس.. ويضيف: "أنا لست خطاطا، الخط له هندسته الخاصة، طول وعرض، كما له أنواعه، وهذا لا يصب في اهتماماتي.. لقد اشتركت مع محمود درويش في عمل، وطلبت من خطاطين هم حسن مسعود وكمال إبراهيم وعبد الله عكار، المشاركة معنا، أنا فنان تشكيلي..". وعن المتصوفة الذين تأثر بهم ويعتبرهم أساتذته، ابن عربي أول صوفي مسلم يولد في أوروبا بمدينة "مرسيا" الإسبانية، ثم العطار، فجلال الدين الرومي، وأخيرا رابعة العدوية التي فتحت باب التصوف في الإسلام. وعن سؤال حول سعيه لتغيير الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب، قال: "أقمت معرضا بالمتحف الوطني في واشنطن لأغير الصورة المشوّهة المأخوذة عن الإسلام، أردت أن أواجه من يتحدثون عن ضرب المرأة وإيذائها وجلوسها في بيتها. وأقول لهم إن كل هذا خاطئ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا خيرا بالنساء. كما كان للنساء مواقف كبيرة ومشهورة في الحروب، ومجالات الحياة المختلفة. ولدى قريشي صورة مفاهيمية مشبعة بالرموز ما بين العربية والبربرية، وحروف الطوارق، والمربعات السحرية، وأرقام الطلاسم كالرقم "7"، وكذلك رسوم الكف، والعلامات الإيقاعية للفن الحجري على جدران الصخور في التاسيلي بالجزائر، وهي الجذور الفنية الأولى التي ينتمي إليها قريشي، بحكم نشأته في عين البيضاء بجبال الأوراس. وقد عمل على تحويل هذه العلامات والرموز إلى شيفرات شخصية وشعر مجسد تجريدي في تكاوين جمالية تعتمد على الكتابة العكسية (من الشمال إلى اليمين، بما في ذلك إمضاء الفنان)، أشار إليها قريشي بأنها حروف هجاء الذاكرة؛ لأنها تتجاوز حدود الزمان والمكان. والكتابة العكسية هي من ألغازه الكبرى، لأنها تحتاج إلى مرآة لقراءتها في شكل صحيح. والمرآة في الفكر الصوفي هي الحقيقة، وهي رمز الإظهار والعلن، وطريق لمعرفة الخالق. للإشارة، أعمال رشيد قريشي موجودة في "مجموعات" أكبر المتاحف في العالم، لا سيما المتحف البريطاني، ومتحف "جونسون هيربرت" بنيويورك، ومعهد العالم العربي، ومتحف الفن الحديث بباريس، والمكتبة الوطنية الفرنسية، ومتحف الفاتيكان، ومتحف الفن الحديث بالقاهرة. وشارك بعمل في أكسبو ميجان في مدينة آرل الفرنسية (2008)، ومعرض "الحب والذكرى" في فيلاديلفيا بنسيلفانيا (2007)، وكذا معرض "عشرون عاما، اثنا عشر شاعرا، خزف لرشيد قريشي"، في معهد الدراسات الإنسانية، آن آربور بمشيغان، إلى جانب معارض وأعمال أخرى.