أكد مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالأرشيف والذاكرة الوطنية، عبد المجيد شيخي، أن وثيقة إيفيان جاءت لتجيب على كل المبادئ والأهداف التي وضعها بيان أول نوفمبر 1954، والمتمثلة في استرجاع السيادة الوطنية بكل مقوماتها ووحدة التراب الوطني ووحدة الشعب الجزائري. وخلال ندوة نظمت بمقر وزارة الشؤون الخارجية بمناسبة الذكرى 60 لعيد النصر (19 مارس 1962) تحت إشراف وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، أكد مستشار رئيس الجمهورية، أن المهمة التي كلف بها المسؤولون آنذاك تحت قيادة كريم بلقاسم قد أنجزت بكاملها. من جانبه، ذكر المدير العام للاتصال والإعلام والتوثيق بوزارة الشؤون الخارجية، عبد الحميد عبداوي، أن تاريخ 19 مارس 1962، يعتبر نقطة انطلاق لعهد جديد بعد تضحيات جسام أعقبتها مفاوضات عسيرة انتهت بالتوقيع على اتفاقيات إيفيان بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والاحتلال الفرنسي يوم 18 مارس 1962. وأوضح ذات المتحدث، أن هذه المفاوضات لم تكن خيارا أمام السلطة الاستعمارية التي أجبرت رغما عنها على الإذعان لإرادة الثورة، نتيجة الخسائر الميدانية والهزائم المتتالية التي أفقدت جيش الاحتلال معنوياته والانتصارات الدبلوماسية المتتالية التي حققتها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. للإشارة، تم بالمناسبة تكريم الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، نجل المجاهد الراحل أحمد قايد المدعو الرائد سليمان، وكذا نجل المجاهد الدبلوماسي الراحل الطيب بولحروف. مختصون في الشأن السياسي والدبلوماسي يسلّطون الضوء على اتفاقيات ايفيان: المفاوضون الجزائريون كانوا على مستوى عال من الحنكة الدبلوماسية أكد مختصون في الشأن السياسي والدبلوماسي، أن أعضاء الوفد الجزائري المفاوض في اتفاقيات إيفيان كانوا على مستوى عال من البراعة الدبلوماسية والحنكة والإصرار، النابع من إيمانهم القوي بشرعية القضية الجزائرية وحق الشعب في الاستقلال والعيش الكريم. وأكد المجاهد والدبلوماسي الأسبق، نور الدين جودي، أن قادة الثورة التحريرية، وضعوا صوب أعينهم هدفا ساميا عندما قرّروا خوض غمار المفاوضات مع فرنسا، ألا وهو إجبار هذه الأخيرة على قبول فكرة الاستقلال الكامل، رغم المناورات المتعدّدة للمفاوض الفرنسي للاحتفاظ بالصحراء الجزائرية. وقال جودي، في حديث لوكالة الأنباء بمناسبة الذكرى 60 لاتفاقيات إيفيان، أنه من اللازم وضع هذه الاتفاقيات في سياقها المناسب، لأن المستعمر حاول في بداية الأمر فرض شروطه خاصة في مولان من خلال مطالبة الجزائريين، إلى وضع السلاح لوقف إطلاق النار، ومحاولة فصل الصحراء عن باقي مناطق الجزائر، مشيرا إلى أن إصرار المفاوضين الجزائريين كان منقطع النظير وبراعتهم الدبلوماسية وحنكتهم في التفاوض والتحاور، شكلت عوامل أجبرت الطرف الفرنسي على الجلوس حول طاولة المفاوضات مع من وصفتهم بالإرهابيين و"الفلاقة". واستطرد المجاهد قائلا، "لقد واجه المستعمر الفرنسي في المفاوضات رجالا لم يكونوا في متناولهم إطلاقا وعلى رأسهم كريم بلقاسم، وكانوا على مستوى عال جدا من البراعة الدبلوماسية في مسألة التفاوض بخصوص المسائل الدقيقة والحساسة..."، مستدلا بما قاله سعد دحلب للمفاوض الفرنسي الذي أخبره بقرار ديغول بفصل الصحراء عن الجزائر: "أنا جزائري وعليكم بقبول استقلال الجزائر كاملة وإلا فسوف نواصل الكفاح وأبلغوا ما قلت إلى رئيسكم". وحسب المتحدث، من بين عوامل نجاح مفاوضات إيفيان، الدراية الكبيرة التي كان يملكها المفاوض الجزائري بالداخل الفرنسي، لا سيما ما تعلق بالمشاكل الاقتصادية، إضافة إلى تمكن الدبلوماسية الجزائرية من عزل فرنسا دوليا، ما اضطر ديغول للرضوخ إلى مطالب الجزائريين وإصرارهم على افتكاك الاستقلال. وبالنسبة للمحلل السياسي سي بشير محمد، فإن الثورة التحريرية في فترة المفاوضات، استعادت شيئا من عنفوانها وقوة صورتها في الخارج، كما أبرزت قدراتها العسكرية والسياسية في الداخل إضافة إلى العامل البشري، الذي اتسم بالبراعة والكفاءة في إدارة كل تلك الجوانب، ما اضطر فرنسا إلى قبول أفق استقلال الجزائر لكن مع مفاوضات قد تحقق لها البعض مما كانت تهدف إليه. وأكد المحلل أن فرنسا الاستعمارية واجهت عندئذ في الميدان التفاوضي، رجالا يريدون بأي ثمن استقلال بلادهم، ما يترجم معرفة لنفسية المفاوض الفرنسي، والقراءة الجيدة لمعطيات البيئة الدولية والوضع الداخلي الفرنسي، وتوازنات الحرب وكذا ماهية أولويات المفاوضات التي كان أساسها الجوهري استقلال كل الأرض، في حدود جغرافية السيادة الوطنية وعدم الخوض في الترابطات المستقبلية بين البلدين، وكلها كانت مهارات في عقل وعمل المفاوض الجزائري، ما أدى إلى نجاح المفاوضات والحصول على المطلوب مع تحقيق الغرض الأسمى ألا وهو استقلال الجزائر. كما أكد سي بشير، أن الدبلوماسي أو المفاوض الجزائري تصرف في مختلف مراحل المفاوضات من وحي تأثير وضع التوازنات العسكرية في الداخل الجزائري، وصنع منها المنطلق للمطالب والضغط، كما منتحته الشرعية لقيادة العملية التفاوضية، ليكون هذا المفاوض من الصور الأولى لسيادة بلد سيحصل على استقلاله حتما. وأضاف أن اتفاقيات إيفيان تشكل عقد ميلاد الجزائر المستقلة، بسيادة كاملة مع فكّ الارتباط الاستعماري الاستيطاني مع فرنسا، ما أعاد الحياة لدولة شهدت ميلادها المؤسسي/القانوني والسياسي مع مبايعة الأمير عبد القادر. أما أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، رضوان بوهيدل، فقد اعتبر المعركة الدبلوماسية، التي خاضها الوفد الجزائري في إيفيان، كانت من موقع قوة، استلهمها المفاوضون من الشعب وإرادته في العيش الكريم، ما أجبر فرنسا على قبول إجراء المفاوضات والامتثال لكل المطالب غير منقوصة، مشيرا إلى أن أعضاء الوفد الجزائري المفاوض اتسموا بالدهاء والحنكة وطول النفس واكتسبوا خبرة دبلوماسية وسمعة من خلال الممارسة الفعلية لنضالهم المسلح والسياسي، والاحتكاك بدول أخرى وتفننوا في السياسة الخارجية التي يعتبر ثابتها أكثر من متغيرها وهذا ما أثبتته اتفاقيات إيفيان. أستاذ التعليم العالي المتخصص في تاريخ الجزائر السياسي خلال الثورة التحريرية، محمد رزيق، ذكر من جانبه، بأن المفاوضات فرضت على فرنسا فرضا تاما من طرف رجال كانت تنعتهم بأقبح الأسماء، إلا أنها اضطرت إلى الجلوس معهم حول طاولة واحدة رغم المناورات الكثيرة التي اتبعتها لفرض شروطها، مؤكدا أن هذا التراجع يعود الى قوة المفاوض الجزائري وشخصيته الفولاذية، لأن الميدان كان في صالحه والبنادق ما زالت تطلق الرصاص، وامتد صدى الثورة التحريرية إلى عقر دار الفرنسيين، كما لقيت القضية الوطنية دعما وتأييدا دوليا ساهم في عزل فرنسا الاستعمارية، وأجبرها على التفاوض واللجوء إلى الحل السياسي مرغمة..