أكد صدام حسين سرايش رئيس الأكاديمية الجزائرية للشباب وإحياء التراث، أن الموروثات الحضارية والثقافية تعنى ببالغ الأهمية لدى الأمم والشعوب، على اعتبار أنها خزانات تاريخية، تحفظ مستقبل الأمم، وتعبّر عن عمقها وأصالة هويتها، ليأتي دور الإعلام بارزا لتحقيق التواصل بين الأجيال، ونقل الموروثات الاجتماعية بينها، والعمل على ربط أجزاء المجتمع؛ تحقيقا لأهداف الاستقرار والتنمية المستدامة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا وثقافيا. أوضح سرايش الذي يشغل منصب الناطق الرسمي للخلية الوطنية لمكافحة تهريب الآثار ومعالجة جرائم المساس بالممتلكات الثقافية والذاكرة، ل "المساء"، "إذا كانت الأمم والشعوب تتطلع لمستقبل مشرق، فهي، في الآن نفسه، تتجه نحو ماضيها، وتتمسك به للمحافظة على تراثها الأصيل بشقيه المادي وغير المادي، وصيانته، والإعلام به، والتسويق له؛ لكونه عرضة لتهديدات جمة، لا سيما ما يتعلق منها بالكوارث الطبيعية، والحروب، والسرقة والتخريب، والاتجار به من قبل شبكات التهريب، إذ إن الجزائر تمتلك تراثا ثقافيا زاخرا ومتنوعا، يعبّر عن ذاكرتنا وهويتنا؛ فالتراث التاريخي والثقافي الوطني، أهم كنز". وأشار محدّث "المساء" إلى حرص الأكاديمية على الحفاظ على التراث، وحمايته من الاندثار والزوال في ظل القوانين والتشريعات، طبقا لقانون 04/98 المتعلق بحماية التراث الثقافي، وقانون 06/802 المتعلق بمكافحة التهريب في ظل تنامي جريمة المساس والاتجار غير الشرعي بهذا الإرث الثقافي التاريخي"، موضحا أن هذه الجريمة في تنامٍ، على الصعيدين الدولي والوطني، لشبكات الاتجار غير الشرعي بالتحف، فهي مصدر تمويل لشبكات إجرامية أخطر وأعتى على الأمم والهوية الجزائرية، في ظل جريمة المساس بالممتلكات الثقافية، التي تُعد ظاهرة عالمية، دفعت ب "الأنتربول" إلى تصنيفها في المرتبة الثالثة بعد تجارة السلاح والمخدرات، وفي خانة الجريمة العابرة للقارات. وترتبط، بشكل وطيد، بجرائم تهريب الأموال، فأصبحت مادة أولية مطلوبة بكثرة في التجارة غير الشرعية؛ نظرا لقيمتها الثمينة؛ ما شكّل استنزافا سلبيا للموارد القومية الخاصة بالبلاد في هذا الجانب".ويقول المتحدث: "في هذا الإطار شُكلت هياكل وأجهزة، من مهامها توجيه عملها للتضييق على نشاط شبكات التهريب؛ لدعم جهود مختلف المؤسسات الأمنية والمدنية؛ سعيا لكبح الاتجار غير الشرعي بالممتلكات الثقافية في إطار تعزيز استراتيجية وأطر الحماية، والمحافظة عليها من كل محاولات السطو والتخريب، وتثمينها اقتصاديا بتوظيفها كمورد للسياحة الوطنية". حماية التراث الثقافي بالرقمنة وتطرق سرايش مع "المساء"، لآليات الحماية القانونية للترات الثقافي، قائلا إن المعمول به، وفقا لقانون التراث الثقافي، الملزم بضرورة وضع جرد علمي لمختلف القطع الأثرية. وأضاف: "سجلنا في هذا الباب، أخطاء إدارية جمة من قبل مسيري المتاحف. وإلى غاية هذه اللحظة، تبقى مخزونات القطع الثمينة ببعض المتاحف، غير مصنفة تحت رقم جرد، ما فتح الباب على فقدان العديد من القطع الأثرية المسجلة بجهاز العدالة، وعليه فإن مصالح وزارة الثقافة والفنون، مطالَبة بإجراءات فعلية، وفقا لما ينص عليه التشريع، من خلال وضع رقمنة وطنية للتراث الثقافي، يمكّن المؤسسات الأمنية والفاعلة من حق الرقابة عليه، مع ضرورة تكوين مسيري المؤسسات المتحفية، خاصة الأثريين والإطارات الإدارية، وإعداد بطاقة رقمية لمخلتف التحف، مع إنشاء لجنة وطنية مختلطة، للرقابة، والحماية من مختلف الفاعلين حول بطاقة الرقمنة للتحف".ويقول المتحدث: "على ضوء هذه المعطيات ننوّه بإعادة صياغة القانون المتعلق بحماية التراث الثقافي؛ كونه لا يتماشى مع التطورات والرهانات الحديثة، خاصة في ظل التهديد المباشر للتراث من قبل شبكات متخصصة في تخريب وتشويه الهوية، مع تسريع وتيرة دراسة وتصنيف المواقع الأثرية المكتشفة، التي تبقى عرضة لشبكات التهريب والتخريب، وإخضاعها للحماية القانونية تحت سلطة المؤسسات المكلفة بالحماية والاستغلال". التنمية السياحية من خلال التراث وفي ما يخص آليات الترويج للتراث الثقافي، يقول سرايش: "انطلاقا من تجربتنا التي نقترحها لدعم الترويج الثقافي، نتطرق لموضوع علوم الاتصال والإعلام، ووسائطها الحديثة، وتكنولوجياتها الحديثة الرقمية الجديدة، والذي يهدف إلى تشكيل رؤية مشتركة نحو استحداث الإعلام الثقافي والإعلام التراثي، مهمته تجسيد رقمنة الذاكرة الثقافية والتراث وصيانته، على اعتبار أن الثورة الاتصالية والرقمية أحدثت ثورة تراثية وثقافية، كذلك إنشاء بنك معلوماتي للتحف الأثرية، يمكّن الزوار من الاطلاع عليه عبر القنوات الإعلامية المتخصصة، والتي ستساهم في إبراز الموروث الثقافي، والترويج له". وأكد صدام حسين سرايش، أن تحقيق التنمية السياحية من خلال التراث الثقافي، مطلب لا بد من تحقيقه لأهداف شتى؛ منها الاستثمار لامتصاص بطالة الشباب في ظل متطلبات السوق؛ إذ إن أهم نقطة يركز عليها هي تطوير النشاطات السياحية، خاصة التي تستهدف السياحة الصحراوية؛ لما تختزنه من مواقع، وكذا السياحة الأثرية، ومن خلالها تثمين التراث السياحي الوطني، موضحا أن دراسات المنظمة العالمية للسياحة، بينت أن السياحة الثقافية ستشغل مكانة هامة، خاصة أن للجزائر مؤهلات لتطوير عرضها السياحي في هذا الشق؛ كون التراث ذا مردود كبير، يبرر ضرورة تقويمه.