تحمل القمة العربية القادمة التي تحتضنها الجزائر في أقل من أسبوع، مؤشرات قوية لنجاحها، بالنظر إلى العوامل السياسية واللوجيستيكية التي تتوفر عليها الجزائر، فضلا عن وزنها الجيو استراتيجي الذي مكنها من كسب احترام دول المنطقة، بحكم علاقاتها الدبلوماسية الجيدة مع كافة الشركاء، فضلا عن دورها الحيوي في تسوية النزاعات بالطرق السلمية وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء بعيدا عن أي تدخلات أجنبية. وتراهن الجزائر خلال القمة على تكريس ثقافة المصالحة بالنظر إلى تجربتها الرائدة في هذا المجال، حيث سبق لها أن أدت أدوارا سياسية يشهد لها التاريخ في إطار حلحلة الصراعات من خلال جمع الأطراف المتنازعة فيما بينها على طاولة واحدة، مثلما كان لها الدور الفاعل في إقامة الصلح بين الرئيس العراقي صدام حسين وشاه إيران خلال قمة عدم الانحياز التي احتضنتها الجزائر سنة 1973، موازاة مع عقد قمة عربية في العام ذاته والتي خصّص جدول أعمالها للقضية الفلسطينية. ويعزز الموقف الحيادي للجزائر في تعاطيها مع مختلف القضايا الدولية، ثقة الدول العربية التي تستبشر خيرا بها، خصوصا في غياب لقاء عربي على مستوى القمة استمر على مدار ثلاث سنوات، حيث يشكل عقدها في هذا الظرف المتسم بالتحديات الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة انجازا كبيرا بحد ذاته. كما يتطلع المشاركون لأن تلقى القرارات التي ستفضي إليها القمة القادمة بإيجابياتها على الواقع العربي المتشنج والذي مازال يعاني من إفرازات الثورات التي اجتاحت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، حيث ينتظر تشريح هذه الأوضاع تحت رئاسة الجزائر التي لم يسبق لها أن تدخلت في الشؤون الداخلية للدول العربية رغم التغييرات السياسية التي عرفتها، بقناعة أن الإرادة الشعبية تبقى سيدة في قراراتها. وكثيرا ما لقيت رؤية الجزائر، في تسوية الأوضاع السياسية وفق شعار "السلم والمصالحة" بالترحيب الكبير، خاصة وأنها تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف المتناحرة ويكفي أن نستدل في هذا الصدد بموقفها من الأزمة الليبية، حيث تحرص على أن يكون الحل ليبيا محضا بعيدا عن الأجندات الأجنبية. وإذ تحرص الجزائر على أن تستحوذ القضية الفلسطينية النصيب الأكبر من جدول أعمال القمة العربية، فقد عملت منذ أشهر على تمهيد الطريق أمام تحقيق إجماع عربي حول هذا الملف الذي عرف انقساما بين الدول العربية بسبب موجة التطبيع التي اجتاحت المنطقة، مما أفرز وجهات نظر متباينة بخصوص طريقة التعاطي مع أعقد قضية عرفها التاريخ. فقد التزمت الجزائر بجمع شمل الفلسطينيين كمحطة أولى على طريق تحقيق الشمل العربي الذي يعد أحد أهم بنود القمة القادمة، حيث استقبلت فصائل فلسطينية في مؤتمر جامع أفضى إلى التوقيع "إعلان الجزائر" حول المصالحة الفلسطينية بقصر الأمم، والذي يعد إنجازا تاريخيا بعد 15 سنة من الانقسام. ولقي هذا الإنجاز ترحيبا دوليا كبيرا كونه يعد أحد أقوى، مؤشرات نجاح القمة العربية التي تريد الجزائر أن تكون انطلاقتها على أسس صلبة بعيدا عن توصيات "حبر على ورق"، ولعل في اعتماد الرقمنة والتخلي عن الورق في أول قمة عربية من هذا النوع، يعد بمثابة رسالة على أنه حان الوقت لأن تخلو، أدراج القمم السابقة من الملفات المنسية. وساهمت المصالحة الفلسطينية التي كتب للجزائر أن تحتضنها مثلما احتضنت إعلان قيام الدولة الفلسطينية في 15 نوفمبر 1988 في نفس المكان، في تعزيز الثقة لدى الدول العربية ومختلف المنظمات الدولية التي ستحضر قمة نوفمبر، من منطلق أن مثل هذا الإنجاز يضفي الجدية والمصداقية على جهود الجزائر للخروج برؤية موحدة تخدم المصلحة العربية في إطار التضامن العربي المشترك. ومن هذا المنطلق تشكل هذه القمة فرصة سانحة للدول العربية التي تعاني من توترات سياسية داخلية على غرار ليبيا واليمن وفلسطين لإقناع الأطراف الأخرى بضرورة الحذو حذو سياسة الجزائر في طريقة التعامل مع شؤونها الداخلية وفق مبدأ احترام السيادة، بعيدا عن التدخلات الأجنبية وتعدّد الأجندات المشوشة لجهودها. وكل هذه المعطيات تدحض حملات التشويش على القمة العربية بعد الإعلان عن تعذر مشاركة ولي العهد السعودي فيها لأسباب صحية، مثلما تدحضها العلاقات الطيبة التي تجمع الجزائر بكافة الدول العربية على غرار دول الخليج، ولا أدل على ذلك حفاوة الاستقبال التي حظي بها مبعوثو رئيس الجمهورية إلى هذه الدول في إطار تسليم دعوات المشاركة في هذا الموعد وتأكيد قادتها على دعم جهود الجزائر لإنجاح القمة.