أكد المجاهد بلقاسم ديديش، رئيس المكتب الولائي لمنظمة المجاهدين، وعضو المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، في تصريح ل"المساء"، أن ثورة نوفمبر المجيدة، اهتزت لها أركان المؤسسة العسكرية الفرنسية، التي كانت مدججة بمختلف الأسلحة الفتاكة، ورغم الفارق الكبير في العدة والعتاد، إلا أن الغلبة كانت لأصحاب الأرض، الذين استبسلوا في معارك مريرة وطاحنة، في سبيل الانعتاق من براثن مستدمر، جثم على صدور الجزائريين طيلة 132 سنة. عرج محدثنا في معرض شهادة أدلى بها ل"المساء"، على مسار كفاحه، عندما قال إنه انضم إلى صفوف المنظمة المدنية لجبهة التحرير "مكتب سري"، خلال الفترة الممتدة من جانفي 1958 إلى غاية أفريل 1959، قبل الالتحاق بجيش التحرير الوطني، حيث ألقي عليه القبض بعد انقضاء مدة سجنه 4 أشهر بطولقة، من طرف المكتب الثاني المسمى "دوزيام بيرو" آنذاك، مشيرا إلى أن إطلاق سراحه كان بسبب "جيرونيمي" قبطان المصالح الخاصة، الذي أراد إغراءه بالانخراط في صفوف المتعاونين مع فرنسا، لكنه رفض وغير مقر السكن من قرية "الصحيرة" إلى مدينة بسكرة، بعد الحصول على التصريح والوثائق المطلوبة، لافتا إلى أنه قام بحرق بطاقة التعريف والوثائق المتعلقة بالترخيص وغيرها، قبل الانخراط ككاتب في اللجنة الخماسية التي تحمل اسم المرحوم "الحاج العمري جعادي بن خريبش"، إلى غاية جانفي 1960، قبل الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني. أضاف أنه كان ينتمي إلى القسمة 72 بالناحية الثانية، المنطقة الرابعة بالولاية السادسة، أين اشتغل 5 أشهر ببلدية الحاجب حاليا، رفقة المجاهد "حمانة توتي" ومجموعة من المجاهدين والمسبلين، ثم عمل كاتبا بمكتب العريف الأول العسكري، الطاهر دلولي، من سبتمبر 1960 إلى غاية فيفري 1961، وكاتبا مع ساعد بلونار، مساعد القسمة 74 بالناحية الثانية، ثم عمل مع العريف الأول للتموين، شريف عصمان، قبل الاستفادة من تكوين بمستشفى الولاية السادسة في مجال شبه الطبي، وتخرج تحت قيادة الرائد محمد الشريف خير الدين، حيث تمكن من مهنة التمريض بهذا المستشفى، وزاول نشاطه إلى غاية 16 مارس 1962. وبعد وقف إطلاق النار، قال إنه استقر بالمدرسة الواقعة ب"لاشالام"، قبل إقرار الاستقلال يوم 5 جويلية 1962، وأضاف محدثنا أنه يوم 14 جويلية 1962، تنقل إلى منطقة كرة، ثم إلى الثكنة المجاورة لمديرية التربية سابقا، قبل العمل في ثكنة سي الحواس "كزيرنا القصبة" إلى غاية 8 ماي 1964، تاريخ نهاية مهامه بالجيش الوطني الشعبي. أعمال نضالية وإنسانية قال المجاهد، إنه اشتغل 11 شهرا بمستشفى الولاية السادسة، من 21 أفريل 1961 إلى غاية 16 مارس 1962، حيث ساهم في علاج المرضى والمساهمة في إجراء عمليات جراحية، أشرف عليها الرائد محمد الشريف خير الدين، مسؤول الفرع الصحي بالولاية السادسة، لافتا إلى أن الولاية السادسة، ورغم أهميتها، كانت تفتقر إلى طبيب، وكان محمد الشريف خيرالدين ممرضا شارك في العمليات الجراحية بمستشفى "لافيجري" آنذاك، "الحكيم سعدان" حاليا، مع الأطباء الجراحين. مشيرا إلى أن الحكيم سعدان التحق بصفوف جيش التحرير في أواخر 55 وأوائل 56، وكان المسؤول عن مستشفى الولاية السادسة، وعن الفرع الصحي بالولاية السادسة، موضحا أن المصالح الصحية أثناء الثورة كانت موزعة على المناطق والنواحي. ذكر المتحدث، أن الناحية الأولى كانت تضم مستشفى يرأسه المجاهد الطيب ملكمي، الذي يعد من الرعيل الأول لمفجري ثورة التحرير المظفرة، رفقة محمد الشريف خير الدين، وجماعة آخرين، كان لهم الفضل في تفجير الثورة بمدينة بسكرة، ليلة أول نوفمبر الخالدة، أما المنطقة الثالثة، فكان بها مستشفى يترأسه أحمد قبايلي المنحدر من طولقة، كان ممرضا قبل اندلاع ثورة التحرير المظفرة، قبل الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني. أما الناحية الثالثة، فكانت تتمتع أيضا بمستشفى يترأسه المجاهد العربي قحماز، الذي وقع في الأسر وتعرض لأبشع التعذيب، حيث مكث في السجن إلى غاية الاستقلال، مشيرا إلى أن مستشفى الولاية السادسة، يستقبل المرضى الذين يعانون من إصابات وأمراض خطيرة، يستعصى علاجها على مستوى المستشفيات بالنواحي والمناطق، أين يتقرر القيام بعمليات جراحية أو علاج بسيط. وقد تذكر بلقاسم ديديش، رفقاء دربه والأحداث المريرة قائلا: "ثمة مجاهدين تعرضوا لحروق بالنابالم والغازات السامة والحارقة"، على غرار عمر قبقوب، المنحدر من بلدية برج بن عزوز، المتوفي سنة 1984، وأحمد مغزى من بلدية فوغالة، المتوفي سنة 2021، وعلي رحلاوي، الذي تعرض لكسر على مستوى الرجل اليسرى فوق الركبة، بفعل ممارسات مشينة لأتباع بلونيس، وكذا المجاهد قلاعي بوزيدي، مشيرا إلى أن بعض المرضى الذين يطلبون الاستطباب بالمستشفى قدمت لهم كل العلاجات الضرورية. وقال المجاهد، إن شباب اليوم وجيل الاستقلال، يعتقد أن المستشفيات الميدانية آنذاك تتوفر على أسرة وغرف وأجهزة طبية متطورة، لكن هي وسائل بسيطة لا ترقى إلى مستوى ما يتمتع به الجيش الفرنسي وترسانته اللوجيستيكية، مؤكدا أن الشعب أثناء الثورة واجه أعتى قوة استعمارية مستبدة، مشيرا إلى أن مستشفى الولاية السادسة، ينشط في مخابئ تحت الأرض وبعض المغارات، مؤكدا أن قادة الثورة يتنقلون باستمرار ويغيرون مواقعهم. واسترسل قائلا: "لا يوجد مراكز قارة، لأن الأعداء من بني جلدتنا أخطر بكثير من الأعداء الحقيقيين، هم من يعلمون العدو بأن المقر المركزي متواجد في موقع معين، ويزودونه بالإحداثيات، لتأتي القوات الغاشمة وتنفذ مجازرها"، مجددا التأكيد: "نحن قلة عدة وعتادا، ورغم ذلك، واجهنا جيشا عرمرم ومدجج بمختلف الأسلحة الفتاكة". تذكر المجاهد الفذ، رفقاء دربه قائلا: "كنا نستقبل المرضى بمستشفى الولاية السادسة، وبعد تماثلهم للشفاء، يغادرون إلى مراكز معينة قبل التوجه إلى النواحي والقسمات"، مشيرا إلى المساعد المكلف بالمستشفى، مختار الشطي، والعريف أول أحمد الشنيط، وأحمد فرج الله، محمد بن العمري، سالم قرفي، كلهم جنود المستشفى مكلفون بالقيام بتلك المهام المتعلقة بتهيئة الجمال والبغال، لترك الموقع حينا، بعد مغادرة المرضى. أشار المتحدث إلى مجموعة من الممرضين الذي أبلوا البلاء الحسن للتكفل بالمصابين، منهم محمد الشريف خير الدين، محمد زيوشي، عبد الحميد مقداد، المدعو بوعبد الحميد بريك، عياش قرينة، بلقاسم عبد اللي، مؤكدا أن أصعب النواحي؛ الناحية الثانية، وتحديدا المنطقة الرابعة، والسبب جبالها الشاهقة والوعرة وصعوبة تضاريسها، ورغم ذلك، فإن المجاهدين صمموا على دحر المستعمر وطرده وتلقينه دروسا في البطولة لن ينساها