صدرت طبعة جديدة من كتاب "المسرح الجزائري والثورة التحريرية" للدكتور احسن تليلاني، لتكون حاضرة خلال فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف، المزمع تنظيمه من 23 ديسمبر الجاري إلى 1 جانفي الداخل. يناقش الكتاب قضية مساهمات المسرح الجزائري في التعريف بالقضية الجزائرية، والتحريض على الثورة التحريرية سواء بالنسبة للمسرح الشعبي الذي تمثله الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، أو المسرح الناطق بالفصحى ممثلا في نشاط الطلبة الجزائريين بتونس، أو المسرح الجزائري الناطق بالفرنسية، مجسَّدا في جهود كاتب ياسين. ومن خلال مباحث الكتاب وفصوله توصّل الكاتب إلى مجموعة من النتائج، منها أن كثيرا من النصوص المسرحية المقاومة التي تعود إلى فترة الثورة التحريرية أو قبلها، قد ضاعت، وهي في حاجة إلى من يبحث عنها وينشرها؛ مثل مسرحية "الحاجز الأخير" لمصطفى الأشرف، والعديد من المسرحيات الإذاعية التي تشكل تراثا وطنيا هاما، له علاقة مباشرة بذاكرة الأمة في لحظات فارقة من تاريخها الوطني. كما إن المسرح الجزائري، حسب الكتاب، قاوم الاستعمار باستعمال اللهجة الشعبية الدارجة، وباللغة العربية الفصحى، وكذلك باللغة الفرنسية. وقد سمح له هذا التنوع في لغة الحوار، بمخاطبة شرائح واسعة من الجمهور، فتمكن، بذلك، من إيصال مشهد الثورة وصوتها إلى أبعد مدى، إضافة إلى أن الواقعية هي أهم ما طبع المسرح الجزائري المواكب والمعبّر عن الثورة التحريرية، فتجلت حقيقة الثورة، وشمولية الصراع؛ من أجل انتزاع الحرية والاستقلال؛ حتى إنه يمكن اعتبار تلك المسرحيات وثائق تاريخية، تكشف حقيقة الثورة وقيمها. لقد كانت واقعية متفائلة بحكم ارتباط هذا المسرح بوظيفته السياسة في الدعاية للثورة وتمجيدها ومناصرتها. ونتيجة ذلك يمكن كما جاء في تعليق المؤلف أن يمتلئ الكاتب بالحماس الوطني الفياض، فيبادر بحسم الصراع لصالح الثورة، وتبرز النبرة الخطابية في المشاهد، غير أن بعض المسرحيات تجاوزت كل ذلك. وعلى العكس، استطاعت أن تبلغ مستوى فنيا عالميا راقيا، امتزجت فيه قوة الرمز مع قوة الخطاب دراميّا وشعريا وملحميا. يقول الكاتب تليلاني: "إن الإبداعات المسرحية الجزائرية التي واكبت الثورة التحريرية وعبّرت عنها، قليلة جدا؛ قياسا بالتراكم الشعري والقصصي، غير أن هذه النماذج القليلة استطاعت أن تعكس حقيقة الثورة، وأن تشخّص عمق الصراع بأشكاله المختلفة". وأكد الكاتب أن المسرح الجزائري نشأ في ظل الحركة الوطنية، وتشبَّع بروح المقاومة والنضال ضد المستعمر، حيث حمل على عاتقه مهمة النهوض بالحرب العميقة، المتمثلة، خاصة، في الدفاع عن شخصية الجزائر المهددة من قبل الاستعمار، بالاستئصال والاجتثاث. للإشارة، كتب مقدمة هذا المؤلَّف الراحل عبد الحميد مهري بصفته وزير الثقافة والشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة. وتم ترشيح هذا الكتاب من قبل وزارة الثقافة الجزائرية، لنيل جائزة الإبداع العربي عام 2012؛ ما استوجب تقديم الشكر للمسرحي الراحل امحمد بن قطاف رحمه الله.