ناقشت مداخلة الأستاذ الدكتور احسن تليلاني، رئيس مؤسسة زيغود يوسف، أول أمس، بالمسرح الوطني ضمن فضاء "همزة وصل"، موضوع "المسرح والثورة الجزائرية، الرؤية والتشخيص"، لتبرز إسهامات المسرح الجزائري في التعريف بالقضية الجزائرية والتحريض على الثورة. سواء بالنسبة للمسرح الشعبي الذي تمثله الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، بأعمالها الخالدة (نحو النور وأبناء القصبة ودم الأحرار والخالدون)، أو المسرح الناطق بالفصحى، ممثلا في نشاط الطلبة الجزائريين بتونس، الذين من بين ما قدموا، ذكر المحاضر مسرحية "مصرع الطغاة" للكاتب الراحل عبد الله الركيبي، أو المسرح الجزائري الناطق بالفرنسية، مجسدا في جهود كاتب ياسين بمسرحيته الشهيرة "الجثة المطوقة"، إضافة إلى ما قدمه المسرح العربي والعالمي. من خلال زوايا المداخلة، توصل الدكتور تليلاني إلى مجموعة من النتائج، وهي أن المسرح الجزائري نشأ في العشرينات من القرن الماضي تحت ظلال الحركة الوطنية، فتشرب من ينابيعها وامتزج بتطلعاتها نحو التحرر من ربقة الاستدمار الفرنسي، فكان مسرحا مقاوما منذ ولادته، هادفا إلى إصلاح المجتمع وتوعيته، وإذا كانت الحركة الوطنية قد أنتجت المسرح، فإن هذا المسرح قد أنتجها، حيث أصبح آداتها الفاعلة في مقاومة السياسة الاستدمارية وتنمية الوعي الوطني، فلا تخفى ملامح المقاومة الوطنية على أي دارس حصيف يقارب التجارب التأسيسية للمسرح الجزائري، ومن بين تلك الملامح، أنه مسرح متأثر بالمسرح العربي المشرقي وليس الفرنسي الاستدماري الميتروبولي. كما أن التجارب الأولى كانت تستعمل اللغة العربية الفصحى كنزوع تحرري ضد سياسة الفرنسة، وكثيرا ما يوقع التراث حضوره في تلك التجارب كتعبير عن التمسك بالهوية الوطنية، إضافة إلى أنه مسرح تربوي إصلاحي هادف، وهناك الكثير من النصوص المسرحية المقاومة التي تعود إلى فترة الثورة التحريرية، أو قبلها، قد ضاعت، كما أكد المحاضر، وهي بحاجة إلى من يبحث عنها وينشرها، مثل مسرحية "الحاجز الأخير" لمصطفى الأشرف، والعديد من المسرحيات الإذاعية التي كتبها صالح خرفي، وتشكل تراثا وطنيا هاما، له علاقة مباشرة بذاكرة الأمة في لحظات فارقة من تاريخها. أكد المحاضر أيضا، أن المسرح الجزائري قاوم الاستعمار باستعمال اللهجة الشعبية الدارجة، وباللغة العربية الفصحى، وباستعمال اللغة الفرنسية، وقد سمح له هذا التنوع في لغة الحوار، من مخاطبة شرائح واسعة من الجمهور، فتمكن بذلك من إيصال مشهد الثورة وصوتها إلى أبعد مدى. أشار المحاضر أيضا، إلى أن الواقعية هي أهم ما طبع المسرح الجزائري المواكب والمعبر عن الثورة التحريرية، فتجلت حقيقة الثورة وشمولية الصراع من أجل انتزاع الحرية والاستقلال، إلى درجة اعتبار تلك المسرحيات وثائق تاريخية تكشف حقيقة الثورة وقيمها، لكنها واقعية متفائلة، بحكم ارتباط هذا المسرح بوظيفته السياسة في الدعاية للثورة وتمجيدها ومناصرتها، ونتيجة لذلك يقول المحاضر- يمكن أن يمتلأ الكاتب بالحماس الوطني الفياض، فيبادر إلى حسم الصراع لصالح الثورة وتبرز النبرة الخطابية في المشاهد، غير أن بعض المسرحيات تجاوزتها، وعلى العكس من ذلك، استطاعت أن تبلغ مستوى فنيا عالميا راقيا، امتزجت فيه قوة الرمز مع قوة الخطاب دراميا وشعريا وملحميا. كما أكد الدكتور تليلاني أيضا، أن الإبداعات المسرحية الجزائرية التي واكبت الثورة التحريرية وعبرت عنها قليلة جدا، قياسا مع التراكم الشعري والقصصي، غير أن هذه النماذج القليلة استطاعت أن تعكس حقيقة الثورة، وأن تشخص عمق الصراع بأشكاله المختلفة. كما أن الثورة الجزائرية ألقت بظلالها على عالم المسرح العربي والعالمي، ومن بين أهم المسرحيات العربية التي شخصت الثورة التحريرية الجزائرية؛ "مأساة جميلة" للكاتب المصري عبد الرحمان الشرقاوي، التي عرضها المسرح القومي المصري عشية استقلال الجزائر في 05 جويلية 1962، ومن بين المسرحيات العالمية، هناك أيضا "الستارات" للكاتب الفرنسي جون جيني التي أحدثت ضجة عارمة عند عرضها في باريس، لأنها سخرت من الجيش الفرنسي. أخيرا، اختتم المحاضر مداخلته، بأن الثورة الجزائرية مازالت إلى اليوم تترك تأثيراتها وتجد حضورها في الكثير من المسرحيات التاريخية، التي تغرف من ينبوع شخصيات وحوادث الثورة الجزائرية.