عبّر عدد كبير من مواطني مدينة سكيكدة، بمن فيهم بعض جمعيات المجتمع المدني، ل "المساء"، عن قلقهم الكبير إزاء الوضعية التي وُصفت ب "الكارثية" والتي آلت إليها المدينة القديمة، التي لاتزال بناياتها الهشة تأوي العديد من العائلات، وسط مخاوف كبيرة من استمرار انهيارها على رؤوسهم في أي لحظة. جاء هذا التحرك، مرة أخرى، عقب حادثة انهيار سقف الطابق الأخير لغرفة مسكن ببناية سكنية تعود إلى الحقبة الاستعمارية الأولى، إلى غاية الطابق الأرضي، سُجل الخميس الماضي، والذي انهارت ردومه على سقف محل تجاري يقع بحي قديد يوسف وسط مدينة سكيكدة، المصنفة في الخانة الحمراء، وكانت محل دراسة من قبل المراقبة التقنية للبناء سنة 2019، فيما لم تسجَّل أي خسائر بشرية تُذكر. كما تدخّل أعوان الحماية المدنية قصد المساعدة على إخلاء البناية من السكان، وإغلاق وتطويق المحل التجاري كإجراء وقائي. وضع مقلق ولا أحد تحرك.. وقفت الوالي حورية مداحي، شخصيا، على وضعية هذه البناية القديمة؛ حيث سُجل قبل الحادثة بأسبوعين تقريبا، تهدُّم جزء كبير من سقف أروقة سكيكدة بالشارع الرئيس ديدوش مراد. ولحسن الحظ لم تسجَّل إصابات. كما سُجل قبل ذلك بأيام قليلة، سقوط شرفة بناية قديمة تقع بمحاذاة السوق المغطاة بوسط المدينة، مخلفة تعرّض بعض المركبات لأضرار، بينما تظل العديد من البنايات الأخرى العتيقة؛ سواء تلك المتواجدة بالحي الإيطالي العتيق، أو سويقة، أو على مستوى شارع علي عبد النور، في وضع كارثي للغاية؛ فلا أحد بسكيكدة - حسب الأصداء التي جمعناها - يمكنه أن يتصور كيف ستكون المدينة بعد سنوات في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، وكيف ستكون عاصمة روسيكادا بطابعها المعماري المميّز، الذي يعود إلى السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي الغاشم، خاصّة أنها أُنجزت - حسب العارفين بتاريخها - على النمط الموريسكي العربي الأوروبي، وكيف ستكون جوهرة الشرق المتوسطي بذكريات أزقّتها وأحيائها ومقاهيها، ومحلاتها التجارية، وأسواقها التي كانت تصنع يوميات السكيكديين في المواسم والولائم والمناسبات الدينية والوطنية، وحتى في الأقراح؛ فلا أحد ممن تحدثنا معه بإمكانه أن يتصور تحوّل تلك الأحياء التي كانت تصنع أجمل ذكريات العائلات في يوم ما، إلى أطلال! وفعلا، فقد تحولت بعض أحيائها إلى أطلال، كما هي الحال بالحي الإيطالي العتيق، وحتى التجمعات السكانية الكبرى أو كما تُعرف بالمدن الجديدة؛ فلا يمكنها أن تكون بديلا لمدينة سكيكدة، خاصة أنها تحتل مكانة خاصة لدى قاطنها، ولديها نكهة خاصة؛ على غرار المجمع السكني الزفزاف، أو مسيون، أو بوزعرورة. أموال طائلة صُرفت بدون جدوى.. والمؤسف والمحزن في ذلك، حسب آراء مواطني سكيكدة التي جمعناها، هو فضيحة مشروع ترميم المدينة القديمة، الذي مايزال يراوح مكانه بعد 5 سنوات من انطلاق أشغاله الكبرى، التي قيل حينها: "بعد الانتهاء منه ستسترجع سكيكدة بريقها بعد أن ترتقي إلى مصف المدن المتوسطية الراقية؛ كبرشلونة الإسبانية، لكن "تجري الرياح بما لا يشتهي" السكيكديون، ولأنّ أمقتَ ما أضحى يشمئز منه أهالي هذه المدنية، الوعود التي تظل مجرد كلام، أو حبر على ورق، فبعد أكثر من 4 سنوات من توقف أشغال الترميم، ماتزال الوضعية كما هي، بل صارت تسير من سيئ إلى أسوأ! والأكثر من ذلك، حتى الأجزاء التي خضعت للترميم، كانت أشغالها دون مستوى الإمكانات التي وفرتها الدولة أمام غياب المتابعة، ثم ماذا بعد؟ للتذكير، استفادت ولاية سكيكدة من غلاف مالي معتبر قدّر ب 1.5 مليار دينار، لإعداد دراسة علمية دقيقة ل 127 بناية قديمة، تضم في مجملها، 604 مسكن؛ حيث أُسندت لمكتب "آكويدوس" الجزائري الإسباني، من أجل إخضاع البنايات القديمة للمدينة، للترميم، تماما كما رُممت مدينة برشلونة بإسبانيا، وفعلا انطلقت الدراسة التي استغرقت 15 شهرا، ومست ما يقارب 80 ألف متر مربع من المباني القديمة المتواجدة بالشارع الرئيس "ديدوش مراد" أو ما يُعرف بشارع "الأقواس"، كمرحلة أولى. وطيلة تلك الفترة أصبح المواطن السكيكدي ينتظر بفارغ الصبر، أن يرى مدينته قد استرجعت بريقها المفقود، وكم كان يسكنه ذلك الحلم الكبير ويكبر معه وهو يشاهد مدينته قد تحولت إلى ورشة حقيقية! لكن بعد الانتهاء من ترميم الجزء الأول من الحصة 14 لبنايات سكيكدة العتيقة والتي مست 4 عمارات تضم في مجملها 19 مسكنا و16 محلا تجاريا أُسندت لمؤسسة محلية قيل إنها مؤهلة، المواطنون اكتشفوا أن العملية لم تكن سوى ترقيع و«بريكولاج" ليس إلا، ومست، أساسا، الواجهة الأمامية لتلك البنايات فقط، بدون الحديث عن نوعية الأشغال التي كانت رديئة جدا، وتفتقر للمسة جمالية، بينما ظلت السكنات التي تسكنها العائلات والمهددة بالانهيار، تماما كما هي! 250 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء واللغز المحيّر في هذه المسرحية الدراماتيكية سيئة الإخراج، إقدام مصالح الولاية، آنذاك، على إجراء خبرة ثانية؛ حيث تم إخضاع أكثر من 250 عمارة مصنفة في الخانة الحمراء، لخبرة ثانية، أُسندت للهيئة التقنية لمراقبة البنايات بالشرق، بالرغم من أن نفس تلك العمارات سبق لها أن خضعت للخبرة الأولى من قبل مكتب الدراسات الجزائري -الإسباني "أكويدوس"، سنة 2012. وفي أكتوبر 2021، وعلى هامش اليوم العالمي والعربي للسكن الذي احتضنت فعاليته دار الثقافة "محمد سراج"، صرح مدير الترقية والتسيير العقاري ل "المساء"، التي تولي أهمية كبرى لملف أشغال ترميم المدينة القديمة لعاصمة روسيكادا المتوقفة منذ أكثر من 4 سنوات، بأنه أمام عدم استجابة الشريك الأجنبي "أكويدوس" للاعتذارات التي وُجهت له، شرع الديوان في فسخ العقد، وفي إعادة فتح مناقصة جديدة، مباشرة، بعد إعداد دفتر شروط جديد، مما يعني أن العملية ستأخذ بعض الوقت رغم الطابع الاستعجالي لها، بسبب الإجراءات الإدارية من جهة، ورفع كل العراقيل التي كانت تقف كحجر عثرة أمام المشروع من جهة أخرى، لكن ومن ذلك الوقت لا جديد على المستوى الرسمي في ما يخص هذا الملف، الذي دفع بالمواطن السكيكدي أمام الهدر المفضوح للمال العام أمام صمت الصامتين محليا وعلى جميع المستويات، إلى أن يستنجد برئيس الجمهورية لإيفاد لجنة للتحقيق رفيعة المستوى، للوقوف على حقيقة هذا الملف؛ سواء من ناحية ما أُنجر منه وما لم يُنجز، والأموال التي صُرفت، وهل تماشت، فعلا، مع ما تم صرفه؟ وفي كل هذا يبقى السؤال مطروحا: "مدينة سكيكدة العتيقة إلى أين؟!".