أبدع الحرفيون والحرفيات من 15 ولاية، المشاركون في فعاليات الصالون الوطني للباس التقليدي الذي يحتضنه، حاليا، المركز الجهوي للإعلام الإقليمي محمد مادي للناحية العسكرية الأولى بولاية البليدة، في عرض تشكيلة متميزة من الألبسة التقليدية النسائية والرجالية، التي كانت ولاتزال، تمثل رمز الهوية الوطنية، وتعكس عراقة وأصالة تراث الأجداد؛ حيث لقيت التظاهرة استحسان الزوار والعارضين، واعتبروها فرصةً للتعريف بتقاليد المجتمع الجزائري في اللباس، وكذا فضاءً للتسويق. حاول المشاركون في فعاليات صالون اللباس التقليدي، أن يبرزوا أهم الخصوصيات التي تتمتع بها كل ولاية من ولايات الوطن، من حيث اللباس التقليدي؛ حيث أبرزت العارضة فاطمة بديار من ولاية تقرت، الطرز التقليدي على لباس السكان الأصليين بالمنطقة. وحسبها، فإن الكثيرين لا يعرفون خصوصية اللباس التقليدي بالمنطقة، الذي بدأ شيئا فشيئا يختفي، بعد أن حلّ محله اللباس الجاهز، مشيرة في معرض حديثها مع "المساء"، إلى أن منطقة تقرت معروف عنها في اللباس التقليدي، القشابة التقرتية، والبرنوس، والأفرشة المطرّزة، وكلها أعمال تتم باليد، بالاعتماد على الصوف الطبيعي الذي يحضَّر وينسَج في شكل قطعة قماش واحدة، ومن ثمة يتم حياكة اللباس المطلوب وتطريزه برموز تعكس خصوصية المنطقة. وحسبها، فإن هذا المعرض فرصة للتعريف بتراث المنطقة، خاصة ما تعلق منها بالرموز المختلفة التي تميز كل لباس عن الآخر. واستقطب جناح ولاية قسنطينة، اهتمام زوار المعرض، خاصة أن الحرفي أبدع في عرض تشكيلة مميزة من "قندورة المجبود"القسنطينيةالمشهورة. وحسب الحرفي مرتضى منصور، فإن "القندورة" القسنطينية كانت ولاتزال من أهم رموز الولاية، تتزين بها العروس يوم زفافها، مشيرا إلى أن هذه الحرفة لاتزال تصارع عوامل العصرنة للحفاظ على طابعها التقليدي، مؤكدا أنه من الذين يرفضون استعمال الآلة في صناعة اللباس التقليدي؛ لأن الغاية بالنسبة له، ليست تجارية، وإنما هي الحفاظ على موروث الأجداد بكل أبعاده التقليدية. ومن جهة أخرى، أكد المتحدث أن اللباس التقليدي القسنطيني، رمز من رموز الولاية. ويعرف في السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا عليه في المناسبات؛ ما جعلهم كحرفيين، يتمسكون بهذه الحرفة على اختلاف أنواعها؛ سواء كانت قندورة الفتلة، أو المجبود، أو الشامسة، ومؤكدا، بالمناسبة، أنه يملك ورشة، ويعتمد على حرفيين وصنّاع في صناعة الجبة القسنطينية بالطريقة التقليدية، ليحافظ على هذا الموروث. وغير بعيد عن قسنطينة، أبدع الحرفي نور الدين دلالو من ولاية عنابة، في إبراز ما تزخر به الولاية من خصوصية في اللباس التقليدي النسوي، حيث أكد أنه يمارس المهنة لأكثر من 32 سنة، وأن تمسّكهم باللباس التقليدي، اليوم، من باب محاربة اللباس الذي يُصنع بالآلة، ويعرَض على أنه تقليدي، ولكن يقول: "الحقيقة غير ذلك". ويردف: "خصوصية اللباس التقليدي في كونه يحاك ويطرَز باليد، وهو ما يعكس خصوصيته"، مشيرا في السياق، إلى أن الصناعة التقليدية المعَدة باليد، قد تظل لقرون ولا تتغير، على خلاف الصناعة بالآلة، التي تزول بعد استعمالها لبضع سنوات. ويكشف الحرفي نور الدين أن اللباس التقليدي لولاية عنابة "القندورة" المطرّزة بالفتلة أو الكنتيل أو العدس أو التيول والحساب، معروف منذ القدم؛ يقول: "يُعد معرض ولاية البليدة فرصة ليكتشف البليديون خصوصية اللباس العنابي، وأهم ما يميزه"، مؤكدا، بالمناسبة، أن مساعيهم جارية للحفاظ على هذا الموروث التقليدي؛ من خلال تعليم الصبية في سن صغيرة، هذه الحرفة على أصولها؛ لحمايتها من التخريب، والتزييف، وعوامل العصرنة التي تُذهب ملامحها. وشكّل حضور اللباس التقليدي البليدي، حصة الأسد في صالون اللباس التقليدي، حيث حاولت الحرفيات المشاركات إبراز كل أنواع اللباس التقليدي الذي تتميز به الولاية، خاصة ماتعلق منه بالطرز التقليدي على الألبسة؛ من شبيكة، وغرزة الحساب. وحسب الحرفية وسيلة جازية، فان أهم ما يميز اللباس التقليدي البليدي العريق، السروال المدوّر، والغليلة بالدونتال، والكاروكو، وبليطة الفتول، مشيرة إلى أن البليطة بالفتول كانت تُستخدم في "الحنة"، ثم اندثرت في سنوات مضت، ثم رُد لها الاعتبار بعدما عادت العائلات البليدية تبحث عنها في مناسباتها، مشيرة بالمناسبة، إلى أن أهم تحدٍّ يؤثر على الحرفي، هو التسويق؛ لذا يسارعون إلى المشاركة في المعارض، التي يتم تنظيمها للاحتكاك بالزوار، وترويج المنتج الذي يمثل هوية وأصالة المجتمع، والبحث، أيضا، عمن يرغب في تعلم الصنعة لضمان استمراريتها. برنامج هام لبعث الصناعة التقليدية أوضح مدير السياحة والصناعات التقليدية لولاية البليدة عبد الوهاب مومو، على هامش صالون اللباس التقليدي، أن هذا الحدث يدخل في إطار برنامج مخطط من طرف وزارة السياحة والصناعات التقليدية، لتدعيم المنتوج الحرفي، حيث خصت كل ولاية من ولايات الوطن، بإبراز صناعية تقليدية معيّنة؛ مثل معرض صناعة النحاس بقسنطينة، ومعرض صناعة الزربية بخنشلة، فيما اختيرت مدينة الورود لتحتضن تظاهرة اللباس التقليدي، مشيرا إلى أن التظاهرة عرفت مشاركة 15 ولاية حاضرة، بمجموع 35 حرفيا عارضا؛ حيث يُعد الصالون فرصة للحرفيين، لعرض منتجهم، والتعريف بخصوصية اللباس التقليدي للمجتمع البليدي. كما تدخل التظاهرة في إطار التبادل الثقافي بين الولايات. وعلى صعيد آخر، أثنى مدير السياحة على المجهودات المبذولة من الحرفيين في مساعيهم من أجل الحفاظ على اللباس التقليدي، الذي يُعد جزءا من الهوية، ويعكس أصالة وعراقة المجتمع الجزائري، لافتا إلى أن أكبر تحد للحرفيين هو التسويق، وأن الجهات المعنية ممثلة في وزارة السياحة والصناعات التقليدية، تحاول، في كل مرة، فتح فضاءات، وإقامة تظاهرات وطنية ومحلية، تسمح لهم بالترويج والتسويق". ومن جهته، أوضح رابح محمد، مدير غرفة الصناعات التقليدية ببلدية أولاد يعيش، المشرف على التنظيم، أن هذه التظاهرة التي احتضنتها الولاية، تهدف إلى جمع عدة ولايات، للتعريف بمختلف أنواع الألبسة التقليدية الرجالية والنسائية وحتى الموجهة للأطفال، مشيرا إلى أن الغرض من البرنامج هو إعطاء فرصة للترويج، وتعزيز قدرات الحرفيين في مجال التسويق؛ من خلال الاحتكاك ببعضهم البعض، والتواصل مع الزوار، ومنه التسويق لحرفهم التقليدية في مجال اللباس، لافتا، بالمناسبة، إلى أن مساعي الدولة جارية لدعم هذه الفئة؛ سواء من حيث التكوين، أو التسويق؛ لتشجيعهم على التمسك بكل ما هو موروث تقليدي.