دعا الدكتور المتخصص في تاريخ العصر الوسيط، عبد القادر بوعقادة، في حديثه ل«المساء"، إلى تكاثف جهود كل الفاعلين بولاية البليدة، لتجسيد مشروع "البليدة عاصمة الثقافة الأندلسية 2025"، مؤكدا في السياق نفسه، إمكانية تحقيق هذا الحلم، بمناسبة مرور 490 سنة على تأسيس مدينة الورود. لم يترك الدكتور عبد القادر بوعقادة، من جامعة البليدة "2"، والمتخصص في التاريخ الوسيط، ورئيس فرقة بحث "الإنسان والعمران في المغرب الأوسط في العصر الوسيط"، فرصة تغطية "المساء" للملتقى الذي ترأسه بعنوان "البليدة، تاريخ مدينة وتراث مجتمع"، تمر من أمامه، ليعلن عبر منبرها عن مشروع "البليدة عاصمة الثقافة الأندلسية 2025"، الذي يعمل رفقة زملاء له على تحقيقه. البداية كانت بالإعلان عن فكرة هذا المشروع، التي تقاسمها بوعقادة مع مسؤولي ولاية البليدة، ابتداء من الوالي، وكذا كل من مديرية الثقافة والفنون، وحتى السلطات العسكرية، بدون أن ننسى وزارة الثقافة والفنون التي ردت على هذا المشروع بكلمات إيجابية، وبأهمية أن تتوفر بعض الترتيبات لتجسيده على أرض الواقع. أكد بوعقادة ترحيب مدير الثقافة والفنون بولاية البليدة، الدكتور حاج مسحوب، بفكرة هذا المشروع، ليدعو كل الفاعلين في ولاية البليدة من ساسة ورجال نفوذ ورجال أعمال وفنانين واقتصاديين والنخبة والجامعيين وإعلاميين وغيرهم، إلى التعاون من أجل إضفاء المزيد من البريق لولاية عرفت في الماضي ألقا كبيرا وقوة عظيمة، كيف لا وموقعها الجغرافي يفرض عليها أن تكون في المستوى، فهي مجاورة للعاصمة، كما كانت ملجأ لكل من يشعر بأن حياته في خطر، أبعد من ذلك، فقد كانت النقطة الخلفية لكل منطقة من البلد. وذكر بوعقادة سعيه إلى تنظيم هذه التظاهرة الثقافية في مدة زمنية لا تنقص عن عام كامل، أما عن موضوعها، فهو أندلسي محض، لأن البليدة استقبلت الأندلسيين الذين تم اضطهادهم ونفيهم من الأندلس، مشيرا إلى أن من لجأ إلى البليدة من الأندلس لم يكن من العامة وحسب، بل كان خصيصا من النخبة العالمة والاقتصادية والفلاحية، وعلى رأسها مؤسسها سيدي الكبير الذي كان مهندسا فلاحيا وعالما. وتابع محدث "المساء"، أن آلاف الأسر الأندلسية من المسلمين، وحتى اليهود، وجدت في البليدة ملاذا لها، وقد أثرت فيها بشكل عميق إلى درجة تحولها إلى مدينة بزخم تاريخي واجتماعي واقتصادي وثقافي ثري، استمر حتى في الفترة الاستعمارية، وما بعد الاستقلال، فهي بلدة تجمع السكان من كل الجهات والولايات، وتوفر للجميع مناصب شغل. كما أنها عبارة عن سهل، تقع في نقطة وسط بين طريقي شمال جنوب وشرق غرب، وتتوسط المدن التاريخية والأساسية الثلاث، وهي الجزائر العاصمة والمدية ومليانة، وبعد قدوم الأندلسيين، أصبحت البلدة تسمى بالبليدة، والقلعة تسمى بالقليعة. ذكر بوعقادة اهتمام المستعمر الفرنسي بالبليدة، لأنه كان على دراية بأن التحكم فيها يعني السيطرة على المناطق الداخلية للبلد، وللجزائر العاصمة، لتبقى البليدة مدينة لها ثقل اقتصادي وسياسي واجتماعي وتاريخي وفكري وفني، فهي التي أنجبت الفنانين محمد توري وصويلح وسلوى ورابح درياسة، والمفكر الشيخ زبير والشيخ محفوظ نحناح صاحب التأثير العالمي. كما أكد على ضرورة إبراز أبناء البليدة لتراثهم المحلي والأندلسي، من ثقافة ولباس وأكل وشرب وتقاليد، وحتى طريقة الكلام التي تحمل في كنهها بعدا أندلسيا، كتصغير الكلمات وتنعيمها مثل كلمة "تبسي" (صحن)، ووريدة تصغير لكلمة وردة. ليعود ويؤكد قوة البليدة في العديد من المجالات، وأنها قادرة على أن تكون في المستوى فعلا، فمن كان قويا في السابق، لا بد أنه حافظ على قوته. في المقابل، ذكر المتحدث معلومة يجهلها الكثير من سكان البليدة، تتمثل في كون مدينة الورود منطقة شريفة، سكن فيها شرفاء، وهم السليمانية من أهل البيت، الذين حكموا في تلمسان، وتوفي مؤسسها محمد في وهران، أما ابنه سليمان فقد وزع الإمارة على أبنائه، منهم من حكم البليدة وآخرون حكموا مليانة والعاصمة ومناطق بالبويرة والمسيلة. عودة إلى هذا المشروع الكبير الذي سينير ولاية البليدة، قال بوعقادة، إنه سيعرف تنظيم العديد من النشاطات الخاصة بتراث وتاريخ وثقافة واقتصاد وكل ما له علاقة بالبليدة، مضيفا أن البعض يسرق تراثنا، في حين أننا ننتج هذه الأصالة، مقدما مثالا بالقبائل الذين يسكنون جبال البليدة، وحافظوا على تقاليدهم، مثل زراعتهم للنبات الذي يعتمدون عليه في تحضير وجباتهم الغذائية.