أكدت مجموعة من المجاهدين والقياديين بجيش التحرير الوطني خلال ثورة التحرير أن فرنسا لا تزال مدانة للجزائر بسبب ما ارتكبته من جرائم بشرية، فكرية ومادية طيلة 132 سنة من الاحتلال، داعين الشباب اليوم للحفاظ على الرسالة النوفمبرية والتحلي بالروح الوطنية التي مكنت من تحقيق الاستقلال والانتصار على فرنسا في ثورة يضرب بها المثل وأصبحت قدوة لكل الحركات التحررية في العالم. أكد السيد بلعيد عبد السلام المجاهد ورئيس الحكومة الأسبق أنه رغم إخراج فرنسا مهزومة من الجزائر بالقوة لكنها تبقى مدانة للجزائر دائما لأنها ارتكبت جرائم كبيرة طيلة 132 سنة من الاحتلال حاولت من خلالها طمس كل معالم الشخصية الوطنية بفصلها عن دينها، لغاتها، عاداتها وتقاليدها. وأضاف السيد بلعيد عبد السلام ل "المساء" أن الثورة المسلحة تمكنت بقوة ووحدة رجالها من الانتصار على فرنسا رغم كل ما خططت له هذه الأخيرة من محاولات لإبعاد الجزائريين عن مبادئهم وقيمهم بعد أن حولت المساجد إلى كنائس ومحت المدارس واستولت على الخيرات والممتلكات. وذكر محدثنا أن الأيام الأولى التي تلت الاستقلال بينت لفرنسا أن الشعب الجزائري قادر على إدارة وتسيير شؤونه، بحيث كانت تتوقع أن خروجها سيدخل البلاد في دوامة الضياع لكن الواقع أثبت العكس والجزائر لم تسقط بعد خروج الفرنسيين بل حققت تطورا واسترجعت مكانتها بين الأمم وهي الآن تنافس أكبر الدول التي لم تكن مستعمرة. وقال السيد بلعيد عبد السلام أن صورة المعمرين الذين كانوا يغادرون الجزائر إلى فرنسا تاركين أملاكهم من منازل وسيارات كانت بمثابة الرد على أطماع السلطة الاستعمارية التي لم تكن تتوقع أن ترى هذا المنظر في يوم من الأيام، والدليل على ذلك أنها قامت بتنظيم حفل كبير في سنة 1930 بمناسبة مرور 100 سنة من احتلالها للجزائر ظنا منها أنها ستبقى دائما ولا يأتي اليوم الذي تخرج فيه مهزومة وضعيفة، حيث قامت بتنظيم عدة نشاطات واستعراضات نعتت فيها الشعب الجزائري بالعبيد والأهالي والفرنسيين بالأسياد غير أن هذا الحلم لم يدم أكثر مما دام من قبل لتنقلب موازين القوى بعد 32 سنة في عام 1962 . ودعا محدثنا الشباب إلى التحلي بسيرة الشهداء لحماية بلدهم الذي ضحى من أجله أجدادهم من أجل أن ينعموا اليوم بالحرية. تجنيد المجاهدين لإنجاح الاستفتاء والتصدي لمحاولات الخونة من جهته أكد المجاهد عبد الحفيظ أمقران وزير الشؤون الدينية الأسبق الذي كان ضابطا في جيش التحرير الوطني ومحافظا سياسيا عشية الاستقلال في حديث مع "المساء" أن جبهة التحرير الوطني سخرت كل الإمكانيات المادية والبشرية وأعدت استراتيجية محكمة لإنجاح استفتاء تقرير المصير في الفاتح من جويلية 1962 والذي جاء بعد سلسلة من المفاوضات بين الجانبين الجزائري والفرنسي دامت عدة سنوات ليتم بعدها يوم 19 مارس 1962 التوقيع على وقف إطلاق النار أو ما اصطلح عليه باتفاقية ايفيان، حيث شكل هذا الاتفاق أول مرحلة في طريق الاستقلال تقرر من خلاله تنظيم الاستفتاء، حيث ذكر محدثنا الذي شارك في الإعداد والتحضير لهذا الاستفتاء أن التحضير اقتصر على التوعية والتحسيس بأهمية هذا الموعد رغم أن نتائجه كانت معروفة من قبل، باعتبار أن 99 بالمائة من الجزائريين صوتوا بنعم (5.975581 ناخبا) أما عدد المصوتين بلا فلم يتجاوز 16534 ناخبا من مجموع 6017680 ناخبا. ويبقى الهدف من هذه الاستراتيجية التوعية، التحسيس والتصدي لكل محاولات التشويش على الاقتراع أو محاولات إفشال الاستفتاء من قبل أعداء الجزائر أو "الخونة" كما أسماهم المجاهد أمقران ممن يجلبهم الحنين إلى فرنسا. ويعد كل هذا التحضير مجرد عملية شكلية للتصدي لأي انزلاقات فقط مادام الشعب الجزائري واثق من نفسه وعازم على تقرير مصيره لإخراج العدو من أرضه التي ضحى من أجلها مليون ونصف مليون شهيد في ثورة تعد الأصعب في التاريخ المعاصر بعد معاناة دامت 132 سنة من الاحتلال، أدهشت العالم بأسره وسميت بالمعجزة في الوقت الذي لم يكن فيه هذا العالم يتوقع يوما أن تنال الجزائر استقلالها وتنتصر البندقية على الطائرات والدبابات الفرنسية، غير أن الإرادة تصنع المعجزات فأبطال الثورة سجلوا كفاحهم بالدم وتمكنوا من هزم أكبر القوات العسكرية في منطقة المتوسط. وأضاف المجاهد أمقران أن كل المجاهدين كانوا مجندين يوم الاستفتاء واحتفظوا بسلاحهم رغم قرار وقف إطلاق النار كاحتياط لمواجهة أي انزلاقات والتصدي للخصوم، غير أن الأمور سارت كما كانت تتوقع جبهة التحرير الوطني وتلقت فرنسا صدمة كبيرة كانت تنتظرها لكنها زادت في إلغاء حظوظها ومحت أحلامها ووضعت حدا لشعاراتها الوهمية مثل "الجزائر جزء لا يتجزأ عن فرنسا" و" الجزائر فرنسية" التي كانت ترددها وحاولت إقناع الجزائريين بها بكل الطرق والأساليب حتى القمعية منها. وكانت نتائج استفتاء تقرير المصير التي عبر من خلالها الشعب الجزائري عن رفضه المطلق للاستعمار بالأغلبية الساحقة يوم 3 جويلية 1962 ليتم التحضير للإعلان رسميا عن عيد الاستقلال بعد يومين من ذلك أي في الخامس من جويلية، يضيف محدثنا الذي شارك في رفع العلم الجزائري لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة رفقة مجاهدين وقياديين كبار في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني بميناء سيدي فرج بالجزائر بالمكان الذي دخلت منه قوات الاحتلال الفرنسي سنة 1830 . وخلص محدثنا إلى أن الانتصار يعود إلى المنهجية التي بنيت على أربعة محاور أساسية وهي غرس الروح الوطنية عن طريق الإيمان والغيرة على الوطن والحقد على الاستعمار الغاشم، وإلى الكلمة الصادقة، وكذا إلى تدوين الحقائق التاريخية وحمل البندقية في وجه العدو. إذاعة صوت الجزائر منبر أكسب الثورة دعما أجنبيا من جهته؛ المجاهد عبد القادر نور المحرر الأول للأخبار بإذاعة صوت الجزائر الحرة خلال الثورة التي كانت تتخذ من دول الوطن العربي مقرا لها من طنجة إلى بغداد ذكر في حديث ل"المساء" بدور هذه المحطات الإذاعية في إنجاح عملية الاستفتاء من خلال التوعية والتحسيس والتحضير لاستقبال فرحة الاستقلال، ويقول المجاهد نور الذي كان يذيع آنذاك بإذاعة صوت الجزائر من القاهرة بمصر انه تم الاعلان عبر الأثير خبر الاستقلال الرسمي للجزائر والذي كان حسبه فرحة كبيرة عجز اللسان البليغ عن التعبير عنها نظرا لما خلفه الحدث من إحساس عميق وسعادة لا يستطيع المرء التعبير عنها بالكلمات. وساهمت إذاعة صوت الجزائر الحرة التي كان يشرف عليها حوالي 95 شخصا اغلبهم من الطلبة الشباب الدارسين بجامعات الدول العربية في كسب المزيد من الدعم للثورة الجزائرية وإسماع صوت الجزائر في العالم وفي الهيئات والمحافل الدولية من خلال تكسير جدار الصمت عن القضية، حيث فضحت هذه الإذاعة ممارسات فرنسا المناهضة لحقوق الإنسان والمخالفة للقانون الدولي، وكانت هذه الإذاعة بمثابة المنبر الحقيقي الذي ترجم عبارات الثورات في الرد على الدعايات المغرضة والإشاعات التي ظلت تطلقها فرنسا على المجاهدين الذين وصفتهم بقطاع الطرق والخارجين عن القانون وكذبت الإعلام الفرنسي الذي ظل لوقت طويل يؤثر على الرأي العام العالمي بنقل أخبار تتماشى مع سياسته وأهدافه الاستعمارية، فقد استطاع هؤلاء الشباب الذين صنعوا معجزة الاتصالات السلكية واللاسلكية فعلا قهر الإعلام الفرنسي وتحقيق المزيد من الدعم المادي والدبلوماسي للثورة لما بدأت الاعترافات بالقضية الجزائرية وبعدها بالحكومة المؤقتة تسجل من مختلف دول العالم التي أكدت مساندتها للقضية الجزائرية لأنه كان لا بد من صدى إعلامي وصوت جزائري يصل للأماكن البعيدة ويترجم صوت الرصاص والبندقية الذي لا يسمع من بعيد.