أحيت، نهاية الأسبوع، ملحقة متحف المجاهد بالرغاية، ندوة تاريخية تبرز المآثر والمعاني الوطنية المستخلصة من الذكرى الثامنة والأربعين لعيد النصر المصادف للتاسع عشر مارس من كلّ سنة، وذلك تحت إشراف اللجنة الولائية للاحتفالات بالأيام والأعياد الوطنية، بلدية زرالدة ومديرية التربية غرب، بحضور جمع غفير من المجاهدين وأعضاء الأسرة الثورية، إضافة إلى شريحة واسعة من طلبة الثانويات. حيث قدم بعض المجاهدين الذين حضروا وقفة إحياء ذكرى يوم النصر، شهادات حية عن تجربتهم النضالية في هذا اليوم الخالد الذي تم فيه وقف إطلاق النار بين الإستعمار الفرنسي وجبهة التحرير الوطني بعد مفاوضات مضنية كللت باستفتاء تقرير مصير الشعب الجزائري، الذي تم بموجبه إحراز النصر المبين يوم 5 من جويلية 1962، مفندين بذلك مزاعم ممجدي الإستعمار بقولهم إن جيل الاستقلال هو الأكثر دفاعا من أجل مقاضاة فرنسا إزاء ممارساتها التعسفية خلال فترة احتلال الجزائر (18301962)، لدى منظمات عالمية، لتطويعها على الاعتذار عن مجمل المجازر التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري. قال العقيد والمجاهد الرمز ياسف سعدي إنه من واجب الأجيال أن تستلهم العبر من التاريخ الجزائري، مشددا على ضرورة الاعتماد على سواعد الكفاءات العلمية الجزائرية لمواصلة بناء الوطن والرقي به على كافة الأصعدة، لأن حسبه لا يؤمن بالتحرر الكامل للجزائر ما لم تشهد قفزات وتطورات علمية وإقتصادية. وأضاف المسؤول العسكري والمحرك الرئيسي للعمليات الفدائية بالعاصمة، أنه سيواصل مسيرته لآخر لحظة من عمره بتنوير عقول الشباب ليكونوا أكثر وعيا وحذرا من مناورات فرنسا الرامية لتمجيد الإستعمار، مطالبا بضرورة محاسبة فرنسا على جرائمها الشنيعة وتقديم التعويضات عما خلّفته من آثار استدمارية لا تزال نتائجها إلى يومنا هذا. ومن جهته، تحدث أحد المؤسسين لسلاح الإشارة في قيادة جبهة التحرير الوطني، الرائد حساني عبد الكريم، على أهمية أخذ العبر والدروس في ذكرى انتصار الحق على الباطل، من خلال دعوة الشباب للمحافظة على أمانة الاستقلال والشرف، وبناء وطنهم على أسس متينة قوامها الأخلاق وكرامة الإنسان، نافيا أن تكون أمريكا الدولة التي تتكلم بإسم حقوق الإنسان، لأن الثورة الجزائرية خير دليل على معالم الإنسانية. وفي سياق حديثه عن الحملة المسعورة التي يشنها بعض ممجدي الاستعمار الداعية لطرد الجزائريين من فرنسا، قال رفيق العقيد الراحل عبد الحفيظ بوصوف، إن الجزائر مستعدة لاحتضانهم، وعلى فرنسا أن تستعد للمحاسبة ودفع التعويضات على كل ما فعلته طيلة 130 سنة، بدء من نهبها لخزينة الدولة في 1830 والتي بلغت حسب الفرنسي" بيرون" 4 ملايير أورو، منوها إلى أن جرائم الاستعمار لا يطالها التقادم في القانونين الدولي والجزائري. الدكتور المدير العام السابق للإذاعة الوطنية والمجاهد عبد القادر نور، هو الآخر كان من منشطي هذه الندوة، حيث قدم شهادته حول أهمية وسائل الإعلام، لاسيما الدور الذي لعبته الإذاعة السرية "صوت الجزائر" في تبليغ رسالات الكفاح المسلح وبطولات جيش التحرير الوطني، والتي استمرت جنبا إلى جنب صوت البندقية إلى غاية افتكاك الشعب الجزائري حريته، معرجا لذكر الكيفية التي تم من خلالها استرجاع السيادة الوطنية للإذاعة والتلفزيون يوم 28 من أكتوبر 1962، وكذا التنويه بالدور الأساسي للمؤسس الحقيقي للمخابرات بوصوف في إيجاد المناخ المناسب من التقنيين والمهندسين وتوزيعهم بطريقة محكمة على مراكز البث والإرصاد، وصولا لإنزال العلم الفرنسي بطريقة حضارية ورفع العلم الجزائري. وفي ختام مداخلته، أشاد بدور الشباب في إتمام مسيرة تشييد البلاد، معتبرهم بالثابتين على مطالبة الدولة الفرنسية الاستعمارية بالاعتذار الصريح والتعويض العادل عن جرائمها ضد الإنسانية، عكس ما يظنه ممجدو الإستعمار الفرنسي. أما الضابط المجاهد والدبلوماسي الأسبق عبد الحميد معلم، فلقد استعرض أهمية العمل السياسي الذي خاضته قيادة الثورة التحريرية، في إشارة منه إلى أهداف المفاوضات، بالموازاة مع تكثيف العمل المسلح من أجل تحقيق عدة إستراتيجيات، كان من أبرزها عزل العدو في الميدان الدبلوماسي وكسب المزيد من التأييد في الداخل والخارج. وفي خضم حديثه عن تاريخ عيد النصر، وردا على ممجدي الاستعمار الفرنسي، طالب أحد جنود سلاح الإشارة بالقاعدة الشرقية، بضرورة التأليف والكتابة من أجل تحرير الفكر الغربي من فكر الاستعمار، وبالأخص العمل على تعميق البعد التاريخي الثوري في نفوس الأبناء محاربةً لثقافة النسيان. وفي هذا اليوم الخالد، توجهت شقيقة العربي بن مهيدي، ظريفة بن مهيدي، في كلمة قصيرة إلى كل النساء الجزائريات بضرورة اهتمامها بتربية الأجيال على الطريق السوي. للإشارة، فلقد تم على هامش النشاطات الثقافية المقامة بمقاطعة زرالدة، تكريم عدة وجوه مجاهدة وعائلات بعض الشهداء، إضافة إلى تدشين بعض المؤسسات وتسمية بعض الشوارع تسمية الشهداء تخليدا للذكرى.