تعرف حرفة صقل الحجارة في الجزائر بصفة عامة وبمنطقة القبائل بصفة خاصة إقبالا كبيرا للشباب عليها، حيث يزداد طلبهم على هذه المهنة في ظل انعدام مناصب الشغل، وذلك رغم الأمراض الخطيرة التي تسببها هذه الحرفة على حياة الشباب والانعكاس الخطير الذي تلحقه بالمحيط البيئي. وتنتشر مهنة صقل الحجارة وبيعها عبر قرى ومداشر منطقة القبائل وبالتحديد على طول الشريط الغابي الممتد من بجاية إلى مدخل ولاية تيزي وزو، حيث تعتبر هذه المهنة ورغم صعوبتها المصدر الرئيسي والوحيد لغالبية شباب المنطقة، والذين يجدون أنفسهم مجبرين على الاسترزاق منها، باعتبار أن معظم أعالي المنطقة تتواجد بها الجبال الصخرية التي تعد المنبع الخام لاستخراج الحجارة منها بعد تقسيم هذه الجبال إلى مربعات صخرية كبيرة، لتتم تجزئتها إلى وحدات صغيرة يتراوح طولها من 30 إلى 40 سنتمتر مربع. وكعينة عن ذلك تشهد قرية "شبل" التي تبعد بحوالي 47 كلم عن ولاية تيزي وزو نشاطا مكثفا لحرفة صقل الحجارة، حيث يتوجه الشباب إلى الغابات المحيطة بالقرية بحثا عن المادة الأولية وهي الجبال الصخرية، التي يضطرون إلى تكسيرها باستعمال وسائل عمل تقليدية تفتقر لأدنى شروط الوقاية والأمان.
رغم خطورتها... تعد تجارة مربحة! ويجمع معظم الشباب الذين التقيناهم على صعوبة هذه المهنة وخطورتها في نفس الوقت لا سيما في فصل الشتاء، حيث يجد العمال صعوبة كبيرة في نقل المربعات الحجرية من أعالي الغابات إلى المناطق المؤدية إلى الطرقات قصد عرضها للبيع. وكثيرا ما تسبب التربة والثلوج انزلاقات خطيرة للحجارة حيث تلحق إصابات خطيرة بالعمال تصل إلى حد بتر الأيادي والأرجل، وهنا يجد هؤلاء الشباب أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها، بسبب تحولهم إلى شبه معاقين من جهة وافتقارهم لحماية اجتماعية ومنحة التقاعد من جهة أخرى باعتبار أنهم يشتغلون لحسابهم. وإضافة إلى ذلك فإن هذه المهنة تعرض صحة العمال للخطر من خلال إصابتهم بالأمراض التنفسية الخطيرة، جراء استنشاق الغبار المنبعث من الحجارة. وبعد تصفيف المربعات الحجرية على قارعة الطريق لبيعها حسب الطلب، تتوافد الشاحنات المقطورة لشرائها، حيث تستخدم في تزيين الواجهات الخارجية للبيوت والفيلات الفخمة وحتى في البناء باعتبار أن الحجارة تساعد على تهوية البيت وتمنع الأمطار من التسرب إلى الداخل. ويتراوح ثمن الوحدة الصخرية من 50 دج إلى 70 دينارا على اختلاف الأنواع كالحجارة البيضاء، الحمراء، والوردية. وتعد هذه الأخيرة من أجود الأنواع وأغلاها ثمنا. وبهذا يصل دخل المجموعة اليومي من مبيعات الحجارة من 15 ألف إلى 20 ألف دينار. وهو مبلغ غير كاف بالنسبة لهم بالنظر إلى الأتعاب الكبيرة والأعراض التي تسببها هذه المهنة. إضرار بالبيئة والى جانب الأمراض التنفسية التي تسببها مهنة صقل الحجارة، فإن لهذه الأخيرة انعكاس خطير على المحيط البيئي، حيث يتسبب اقتلاع الحجارة المغمورة داخل الأرض في تشويه المنظر الغابي بسبب تعري سطح الأرض من الجبال الصخرية التي تلعب دور الحاجز الواقي من الانجرافات الترابية إلى جانب الأشجار. والمعاين لغابات قرية "شبل" على سبيل المثال، يصاب بالذهول لشساعة المنطقة المتعرية من الصخور، الأمر الذي يظهر لك للوهلة الأولى أنك أمام مقبرة تعرضت للنبش. وأمام هذا الوضع المشوه للبيئة، تدق جمعيات حماية البيئة، وإدارة الغابات ناقوس الخطر لضرورة التدخل الفوري لتنظيم هذه المهنة والحد من الانتهاكات الضارة بالبيئة.
الحكومة تدرج الموضوع ضمن انشغالاتها لاقت مهنة صقل الحجارة والمخاطر التي تسببها للعمال اهتمام الحكومة والبرلمان بغرض إعادة التفكير في تنظيمها وحماية عمالها اجتماعيا، حيث سبق وأن أعلن الوزير السابق للصحة وإصلاح المستشفيات السيد عمار تو أن الحكومة بصدد إعداد مشروع قرار وزاري مشترك ستتم مناقشته قريبا بغرض التكفل بالعاملين في مجال صقل الحجارة، في غياب أدنى حماية اجتماعية لهذه الفئة من العمال. كما سبق للوزير أن أوضح في جلسة الرد على الأسئلة الشفوية بالمجلس الشعبي الوطني أن حالات الإصابة بمرض الالتكاس الرئوي المسجلة بمنطقة تكوت بولاية باتنة قبل عامين، دفعت بالسلطات العمومية إلى تشكيل خلية صحية بالمنطقة لمتابعة هذه الظاهرة خلال 2007، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة يصدر تعليمة توصي بضرورة التنسيق بين الوزارات لمواجهة الوضع. وسبق وأن اصيب 395 عاملا في مجال صقل الحجارة بمرض السلكوزالذي يصيب الجهاز التنفسي، وبينت متابعة الحادثة أن العمال المصابين والعاملين في هذا المجال غير مؤمنين اجتماعيا. كما سبق للوزير أن أوضح أيضا أن مهنة صقل الحجارة عمل حرفي يتم بشكل فوضوي ومستتر والعاملون به لا يصرحون لدى صندوق الضمان الاجتماعي. ولم تتمكن الوزارة من معرفة العاملين بمنطقة تكوت والمقدر عددهم ب837 عاملا إلا من خلال المعلومات المحصلة من المصابين الذين عرضوا أنفسهم لفحوصات طبية. وحسب السيد عمار الوزير تو، فقد تم التنسيق بين وزارات الداخلية والجماعات المحلية والتضامن والسكن والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعمل بهدف إصدار قرار مشترك يخص تنظيم النشاط وتنظيم طب العمل، كما أضاف أنه تم الاتفاق مع السلطات المحلية لمنع أي نشاط حرفي يتم في الخفاء.