تزين أحجار الديكور والرخام مداخل البيوت الفخمة، ورغم جمالها الكبير وروعة تنسيقها إلا أن القليل من الناس من يعلم أن جمالها يستمد من تعب وجهد وصحة الكثير من الشباب الذين دفعتهم ظروف الحياة إلى نقش الصخر وتمليس الرخام رغم المخاطر الصحية الكبيرة التي يتعرضون لها من خلال استنشاقهم الأتربة المتصاعدة منه يوميا. أخذت معامل وورش صناعة حجر تزيين الفيلات والمنازل الفخمة تستقطب فئات كبيرة من الشباب الباحث عن أي فرصة عمل تلوح في الأفق، في ظل البطالة الموحشة التي أثقلت كاهل الكثير من الشباب الذي أصبح يبحث عن منصب عمل دون الالتفات إلى صحته. ففي بلدية حمادي ببومرداس فتح الكثير من الشباب ورشات لصناعة البلاط الأرضي والرخام وغيرها من الديكورات التي تزين مداخل البيوت وشرفاتها، إلا ان جمال هذه التحف لم ينقص من خطورة ما يستنشقه الشباب يوميا من الأتربة المتصاعدة بعد تكسيرهم للحجارة او تمليسهم للرخام والبلاط الأرضي، وحتى المارة لم يسلموا من الغبار المتصاعد، ويمكننا ان نتخيل حجم الضرر الذي يلحق بالأعضاء التنفسية لهؤلاء الشباب الذين يشتغلون في معامل دون شروط الأمان ودون تأمين صحي. حرفة خطيرة بأرباح خيالية اضطرت ظروف الحياة وارتفاع نسبة البطالة الكثير من الشباب لاقتحام مهن صعبة وشاقة تتطلب مجهودات إضافية وتضحيات جسدية، وأغلب الشباب الذين التقيناهم في ورشات الرخام المتجاورة على امتداد الطريق المؤدي من بلدية حمادي إلى الدارالبيضاء وفي مصانع الحجرة كما تسمى بالعامية في منطقة السبيعات ببلدية الروبية، كل شيء كان يدل على نقص التوعية الصحية لديهم حول مخاطر استنشاقهم للأتربة المتصاعدة وأغلبهم لا يدركون حجم الضرر الذي يمكن أن تسببه لهم. وجوههم كانت بيضاء من أثر الأتربة وملابسهم تحمل كميات كبيرة منها ولم يكونوا حتى منتبهين لما قد تسببه هذه الأتربة على أجسامهم وخاصة رئاتهم وعيونهم التي امتلأت هي الأخرى بالغبار. مصطفى أحد الحرفيين أكد في حديثه ل''الحوار'' أنه يعمل في ورشته هذه منذ ثلاث سنوات إضافة إلى مجموعة من الشباب الذين يتغيرون بين الحين والآخر بسبب عدم قدرتهم على التحمل وإصابة عدد منهم بأمراض تنفسية وأمراض جلدية واحمرار عيونهم بصفة مستمرة، وهو ما جعل رواد هذه المهنة لا يستقرون أبدا في شغلهم لكن ظروف الحياة وانعدام البديل أمام العديد من الشباب جعلهم يضطرون إلى العودة مجددا إلى صناعة الرخام والنقش على الحجارة الذي لا يزال رغم خطورته مصدر رزق يدر أرباحا خيالية على أصحابها. نصف حرفيي الحجارة مهددون بمرض السليكوز أكد البروفيسور سليم نافتي أخصائي الأمراض التنفسية ان العمل في ورشات الحجارة وصناعة الرخام يؤدي إلى مضاعفات خطيرة جدا، وهو ما نصر على توصيله إلى هذه الفئة من الحرفيين في كل مناسبة وتوعيتهم بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب أمراض خطيرة في مقدمتها مرض السليكوز الذي يلاحق عددا كبيرا من الحرفيين في الجزائر الذين يشتغلون بميدان النقش على الحجارة. وأكد أن الإصابة بمرض السليكوز المميت ناتجة أساسا عن ترسب الغبار المنبعث من الحجارة المنقوشة إلى الرئتين، وما يتسبب به ذلك من مصاعب في علاج هذا الداء. وأضاف أنّ نسبة 50 بالمائة من الحرفيين الذين يقومون بنقش الحجارة في مناطق جزائرية متعددة مصابون بمرض السليكوز بدرجات متفاوتة. وبين البروفيسور خطورة الوضع وأكد أن حرج الإصابة بمرض السليكوز يزداد لدى نصف هؤلاء الحرفيين، مع كون غالبيتهم يعملون لحسابهم الخاص وغير مؤمنين اجتماعيا ولا مصرح بهم، ما يجعلهم في وضعية صعبة جدا للتكفل بهم من ناحية العلاج وبعائلاتهم بعد الوفاة. كما أنّه لا يمكن الكشف عن مرض السليكوز إلاّ عن طريق الأشعة الطبية، كما أنّ أعراض الداء لا تظهر إلا بعد بلوغه مراحل متطورة وتعقد عملية التنفس. وأضاف البروفيسور أنه إلى حد الآن توفي 40 شخصا من الحرفيين على نقش الحجارة أصغرهم لم يتعدّ سنه 21 عاما. ووجه نداءه إلى الجهات الرسمية المختصة لتقنيين حرفة النقش على الحجر وتنظيمها وحماية الحرفيين، بحكم أنّ الواقيات المستعملة من طرف البعض لتفادي تسرب الغبار إلى الرئة، غير خاضعة إلى المقاييس، ولا تحميهم إلا لفترة وجيزة جدا مما يعرض حياتهم إلى الخطر، كما حث أيضا على تعزيز الوسائل الوقائية وعمليات التحسيس في ورشات النقش على الحجارة.