عرض البروفيسور عبد القادر دحدوح من جامعة تيبازة، أول أمس، نماذج لقطع نقدية ضُربت في عهد الأمير عبد القادر، بعضها نادر لا يوجد إلاّ بالمكتبة الوطنية الفرنسية، مؤكدا أن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، سبق زمانه، وامتاز عن غيره؛ حيث جعل من العملة رمزا للهوية الوطنية، وإعلانا عن استقلال الجزائر. أشار ضيف "منتدى الكتاب" بالمكتبة الوطنية في محاضرته "سكة الأمير والسيادة الوطنية " ، إلى أن سكّة الأمير عبد القادر تُعدّ من أهم المخلّفات الأثرية التي لاتزال بحاجة إلى البحث والإثراء، متوقفا عند بحثه الميداني للمجموعات المتحفية المتواجدة بمتاحف الوطن، وكذا امتلاكه صور مجموعة نقدية (25 صورة كلفته 500 أورو)، اشتراها من المكتبة الوطنية بباريس سنة 2010. وأكد المتحدث أن هذا الموضوع تضمّنه كتاب نشرته له وزارة الثقافة بعنوان "استحكامات الأمير العسكرية"، موضحا أن السكة ضربت في مدينة تاقدمت (عاصمة حكم الأمير)، في حين هناك مجموعة من القطع النقدية يظهر عليها اسم مدينة أم عسكر (معسكر) في 1834-1836. وهي الفترة التي ظلت فيها مدينة معسكر عاصمة لدولة الأمير، علما أن اسم تاقدمت يبدأ بالظهور على السكة بداية من سنة 1837. وهي السنة التي بدأت فيها أشغال بناء مدينة تاقدمت، وانتقال العاصمة إليها. وأسّس الأمير دار سك العملة في مدينة تقدامت غير بعيد عن تيارت. وجاءت عملته بحلّة جديدة مختلفة عما كان سائدا حينها في الدول العربية والإسلامية، حيث تضمّنت آيات قرآنية توافق الظروف السياسية لتلك الفترة، تدعو للجهاد، وتحث على الصبر، وهي "حسبي الله هو نعم الوكيل" (نقض معاهدة تافنة)، و«ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفَّنا مسلمين" (المواجهة في المعارك)، و«إن الدين عند الله الإسلام" (مواجهة التنصير)، مع استعمال الخط المغاربي. كما حرص الأمير على عدم كتابة اسمه على العملة عكس عملة الأتراك، التي كانت تضرب باسم السلطان محمود العثماني. وهي نفس العملة التي حافظ عليها الحاج أحمد باي قسنطينة، وكذا بايات تونس، وليبيا. وقال المحاضر إن الأمير عاد بعملته إلى زمن ما قبل العثمانيين. وصرّح من خلالها علنا (عملته المحمدية والنصفية) عن استقلاله عن الدولة العثمانية، تماما كما كانت رسائله تحمل ختمه الخاص (ختم الدولة الجزائرية) للباب العالي في إسطمبولي وللقبائل في الداخل الجزائري. كما أكد أن عملة الأمير توقفت مع سقوط عاصمته، التي ظهرت بعدها الزمالة؛ كأوّل نظام سياسي في التاريخ. للإشارة، قدّم المحاضر عرضا مصوّرا لقطع نقدية من عهد الأمير؛ منها تلك الموجودة بالمكتبة الوطنية الفرنسية. كما خاض في جوانب عدة من حياة الأمير الخاصة بتأسيس الدولة الجزائرية؛ حيث وقف عند تأسيس الجيش الجزائري النظامي، وكذا العلم الوطني الذي يشبه إلى حدّ ما، العلم الحالي، وكذا الإدارة والتعليم وغيرها، مع استحضار ثقافة الأمير، وأسفاره التي تجسّدت في مواقفه، وكتاباته، ونظام حكمه.