كالعادة كانت وجهتنا هذه المرة نحو سوق السمار، عانينا الأمرين لركن السيارة، فقد كان المكان مزدحما جدا، والطريق الذي يقود إلى السوق مختنقا، فعلاوة على الكم الهائل من الزائرين الذين يقصدون المكان يوميا بسياراتهم والمارة بأرجلهم تتقاسم الطريق أيضا العشرات من الشاحنات الضخمة التي تنقل البضائع من تجار الجملة المتربعين على جوانب المكان. السمار معروفة بتجارة الجملة في المواد الغذائية، إضافة إلى قصد تجار التجزئة المكان لاقتناء ما ينقصهم في المحلات التي يزداد نشاطها خلال هذا الشهر الفضيل، إذا لكم أن تتصورا ذلك الازدحام في الشارع الرئيسي، أما أن تطأ قدماك السوق فهذا أمر يحتاج لدراسة وتخطيط منذ البداية، حيث غيّر العديد من أصحاب المركبات وجهتهم بعدما شاهدوا الطوابير الآدمية التي اتفقت دون قصد على دخول المكان، وربما كانت سمعة "الأقل سعرا" هي السبب وراء الزحمة. وعلاوة على الاكتظاظ الذي يطبع المكان فإن رائحة المازوت الخانقة والغبار الذي اكتست بسببه المنطقة لونا أصفر، حيث تعثر السيارة قبل القدم في تلك المنطقة. أطفال... رجال... نساء... شباب لم يفوتوا فرصة المرور على سيارات "المازدا" المتربعة عند بوابة وجوانب السوق، وهي تحمل على ظهرها الأطنان من الطماطم والبطاطا التي يبدو أنها لم ترق للكثيرين بحكم أنها مجمدة، فالكل يبحثون عن الطازج خصوصا أن سعرها 40 دج. إلا أن المفاجأة التي يعرفها البعض ويجهلها البعض الآخر هو أول ما أن تدخل بوابة السوق حتى تقع قدماك في حفر بها مياه راكدة وتنبعث منها روائح كريهة انتشرت عبر أرجاء السوق، علاوة على رائحة الخضر الفاسدة التي قذفت في المزبلة الخلفية للسوق. وبعد جهد جهيد يدخل المستهلك السوق الذي تصعب الحركة فيه نظرا لانتشار الباعة والتجار في كل شبر منه، كل ما تطلبه تجده أمامك.. خضر، فواكه، جبن، خبز الطاجين، الحشيش، البقدونس، التوابل التي تزكم رائحتها الأنوف، كل المعروضات مغرية لكن "الزحام" والتدافع يحرمان الكثيرين من اقتناء الحاجيات، وإذا حدث وأن توقف أحد لشراء شيء سيخلف آليا وراءه طابورا طويلا ، حيث توقف رجل على بضعة أمتار من مدخل السوق على اليمين لشراء الخبز وراحت سيدة على اليسار تختار الديول وتسال إذا كانت جديدة، والطفل البائع يشرح ويؤكد أن والدته عكفت عليها سويعات قبل أن يحضرها للسوق، فتوقفت الحركة بعدما غلق الطريق الضيق الذي يسير فيه المستهلكون، وراح البعض يناديون أفسحوا الطريق .. وعلق أحدهم قائلا "هذا مارشي وماشي للسكنة"، وردا على تعليقه واصلت المرأة شراء حاجياتها على نفس الوتيرة، في الوقت الذي ظل فيه الآخر يأكل أصابعه من شدة الغضب، ولما قصدها بالقول ردت "جيت نقضي ماشي باش اتصدعني"، وهنا كاد الآمر أن يتحول إلى شجار لولا تدخل أبناء الحلال الذين راحوا يذكرون الخصمين أنهما صائمين، في حين أبدى رجل انزعاجه من نوعية القطايف والديول التي عرضها مراهق كثير الحركة شديد النشاط مشيرا إلى أنها من النوع الرديء فعلق المراهق "سلطوك باش اتهربلي المشتارية". إلا أن المؤسف في الأمر هو ما حصل مع سيدة على ما يبدو أنها أصيبت بنوبة هسترية تبعتها فوبية من دخول الأسواق الشعبية، حيث كانت تحمل قفة متوسطة الحجم وعلى ما يبدو لم تكمل شراء كل حاجياتها بحكم أن رقبتها المعلقة بالنظر هنا وهناك تشير إلى رغبتها في اقتناء أشياء أخرى، ويبدو أيضا أن الزحام الشديد اضطرها للانفصال آنيا عن ابنتها التي مضت إلى الجانب الآخر، ففي الوقت الذي راحت تضع قدمها على الأرض للمرور إلى الجهة التي بها ابنتها وقعت "بصقة" من شاب ثلاثيني على قدمها فراحت تصرخ من شدة الفزع وتردد "اليوم انقطع رجلي" من جهته الشاب لم يطلب حتى السماح وعلق "ماشي بلعاني وأنت اتعيطي".. نفضت ملابسها وغسلت رجلها بالماء الذي اشترته ابنتها وأقسمت على عدم دخول ذلك السوق مرة أخرى. النرفزة، هي الحالة التي تطبع السوق الذي يستقطب أعدادا هائلة من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة حيث شيع عنه أن الأسعار به تعرف الرحمة وأن كل من يقصده يوفر بعض المال، إلا أن الأمر الذي لمسناه هو أن الأسعار هي نفسها الموجودة في الأسواق الأخرى.