تتميز أعراس المجتمع التندوفي منذ القدم، بالطابع التقليدي المحض، حيث كانت تقام في البوادي، أين تنصب الخيام في مكان مسطح مليئ بالعشب وقريب من منابع المياه، فبعد مراسيم الخطوبة والاتفاق بين عائلتي العريس والعروس ويحدد موعد الزواج، وقد يكون قصير المدة للتخلص من العزوبية، وفي ذلك يبدأ أهل العريس بتحضير لوازم الزواج، على غرار "خيمة الرق" و«لقطايف" وغيرها من التحضيرات المميزة، إلا أن غلاء المهور في الوقت الحالي، عكر صفو الكثير من العائلات التي تريد تزويج أبنائها، وقد اجتمع العقال، في هذا الشأن، لتسقيف المهور وإكمال نصف الدين من طرف العزاب. كانت متطلبات الأعراس التندوفية، في الماضي، الخاصة بالبيت أو الخيمة، تتكون من بضعة أواني وأفرشة، وأحيانا بعير، فيما تختفي ظاهرة إعطاء الذهب لدى بعض الأسر التندوفية، وخلال يوم الزواج وبعد الفاتحة، تتعالى الزغاريد وتنطلق أهازيج الفرح وصهيل الخيل أمام الخيام المنصوبة، وتدعى بيت الزوجية ب«خيمة الرق"، وبعد ذلك تتهيأ النسوة في التزين والاحتفال بلباسهن التقليدي المميز، ملحفة بيضاء وأخرى سوداء تدعى "النيلة"، مع التزيّن بالحناء المزخرفة وارتداء أساور من الفضة والخلاخل. الاحتفالات تدوم سبعة أيام على وقع "أشوار" خلال أيام الحفل التي تدوم سبعة أيام، تنحر الجمال ويطعم الناس في الخيمة الكبيرة، وتشرع حينها النسوة في دق الطبل التقليدي وترديد مقاطع غنائية قديمة باللهجة الحسانية تدعى" أشوار"، ترمز إلى الفرحة والسعادة وينقضي الزواج، وتبقى الزوجة عند أهلها لمدة تصل إلى 12 شهرا، يبقى الزوج خلالها يتردد على زوجته، مع الاحتكام إلى بعض القوانين والضوابط الأسرية، كعدم إظهار الوجه أمام صهره والامتناع عن تناول الطعام معه أو شرب الشاي أو مداعبة الأطفال أمامه، وبعد انقضاء مدة بقاء الزوجة عند أهلها، تبدأ الأسرة بتحضير لوازم الرحيل، من أثاث وأفرشة ثمينة تدعى "لقطايف"، وهي منسوجة بالحرير والصوف، وخلال الرحيل، يتم إعداد وليمة تحضرها كل العائلات، التي بدورها تجلب هدايا وأفرشة وأوانٍ للعروس الراحلة. المباهاة باتت تطبع الأعراس الحديثة تمتاز أعراس تندوف القديمة بالبساطة وعدم التكلف، عكس الأعراس في وقتنا الحالي، حيث يكثر التباهي وتتسابق الأسر إلى إقامة أعراس عالية الجودة وبتكاليف باهظة، وإذا كانت الأسر تنحر بعيرا أو اثنان في أعراسها القديمة، فإن الأسر الحالية تنحر أزيد من ذلك بكثير، إذ تكثر المباهاة بين الأسر في أيهم أكثر جمالا وذهبا وفراشا، إلى جانب التباهي بالسيارات الفاخرة والمنازل الشاهقة وقاعات الحفلات المفروشة والزاهية وأموال طائلة تخلق الفوارق. ويمتاز العرس التندوفي، بتزيين القاعات بالأفرشة الراقية وكل أشكال العطور والبخور لاستقبال الضيوف. تحديد المهر ب10 ملايين سنتيم عاد الحديث عن غلاء المهور مجددا، بعد أن غاب الحديث عنه منذ فترة، وكاد يختفي بولاية تندوف، فقد كان مهر البنت لا يتجاوز بعيرا وبضعة دراهم، وكانت البركة والخير ينزل كالغيث على أهل العروسة والعريس، فطابت العشرة والوفاق وحسنت الأحوال وقلت المصائب وتساوت فئات المجتمع واندثر التباهي، وقل الطلاق. ولعل حكمة وفراسة قدامى تندوف وشيوخها منبثق من قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أقلهن مهرا أكثرهن بركة". وبعد مرور الزمن، تغيرت الطباع والعقول، فسار التسابق على أشده في أحسن وأكبر مهر، حيث أصبح لا يطاق للكثير من الأسر ميسورة الحال لما يحتويه من أموال وأثاث وذهب وغيره، وقد يفوق أحيانا 50 مليون سنتيم، وهو رقم خيالي بالنسبة للعائلات، التي ترى فيه هدر للمال ومدعاة للتباهي والتنافس. ومنذ سنوات خلت، اجتمع عقلاء تندوف، من كل شرائح المجتمع، لتدارس ظاهرة غلاء المهور والتبذير الذي يرافق الأعراس بتندوف، عند البعض منهم، حيث تكثر النحائر وتنتشر ظاهرة "زريق الفضة" في مكان الحفل، أي رمي المال على الراقصات، وما يصاحب ذلك من تنافس ومحو لمظاهر التكافل والتضامن الاجتماعيين. وقد حدد مجلس الشيوخ بتندوف، سقفا ثابتا لتحديد قيمة المهر، لا تتجاوز 10 ملاين سنتيم، لخلق التساوي بين الأسر ومحو ظاهرة التباهي والتبذير، في ظل التفاوت الاجتماعي، غير أن هذا لم يدم طويلا، فسرعان ما عادت حليمة إلى عادتها القديمة. كما يقال، إذ عادت مجددا ظاهرة غلاء المهور لتصنع مظاهر التفاوت بين العائلات التي تبقى عاجزة عنها. المبادرات الاجتماعية ملاذ الشباب لتحقيق حلم الزواج يبدو أن مظاهر التفتح والتحرر من الماضي، بدأت تلوح في الأفق، لتصنع التميز وتأتي بالجديد في مجال تثبيت دعائم متينة للمجتمع، بعيدا عن مظاهر الاختلاف والتباعد والتباغض، وهو ما دعى إليه الأئمة في العديد من المحطات، ومساعي فعاليات المجتمع المدني من جمعيات خيرية وإنسانية، غير أن كل هذا أضحى كصيحة في واد أو نفخة في رماد، وهنا يطرح السؤال: فمتى يصحو الضمير؟ أسئلة باتت حبيسة أنفس الكثير من شباب تندوف الذي أصبح يفضل مبادرة الجمعيات الخيرية في تنظيم الزواج الجماعي، هروبا من تكاليف الزواج الذي أصبح، حسب قولهم، مدعاة للافتخار والتباهي. وقد برزت حرفة الحناية، منذ فترة على مستوى ولاية تندوف، وامتهنت الكثير من النسوة صناعة الحناء وزخرفتها على الأكف والأرجل بأسعار متفاوتة، ويزداد الطلب على "الحنايات" وهن النساء الحرفيات المختصات في تزيين العرائس والنساء أيام العيد ومختلف المناسبات الأخرى. وكلما اقترب الزواج أو أي مناسبة، إلا وبدأت الطلبيات تكثر على "الحنايات" وحجز الأماكن نظرا للاكتظاظ عليهن، وتتنوع أشكال وأنواع الحناء والزخارف من "حنة السير" و«حنة زازو" و«حنة الطوابع" ذات الأشكال المتباينة، ويتم اختيار نوع الحناء من العطارة، وهي حناء "بن يحي" وحناء "الخلالة" وغيرها.