هناك العديد من العادات والتقاليد الجزائرية المتوارثة من جيل إلى جيل، ومن بينها تلك التي تقوم بها العائلات عند التحاق الطفل لأول مرة بمقاعد الدراسة. فالوالدان يعيشان كل مراحل نمو طفلهم، إلى أن يلتحق بالمدرسة، وهنا يحظى باهتمام بالغ من طرف كل أفراد العائلة، خاصة إذا كان الطفل بكرهم، ولمعرفة عادات وتقاليد ولايات الشرق، وبالتحديد ولايات برج بوعريريج، ميلة وسطيف، قمنا بهذا الاستطلاع. يبدأ التحضير ليوم الدخول المدرسي لدى عائلات الهضاب العليا بأيام، حيث يتم تهيئته نفسيا، باعتبار أن هذا اليوم سيكون نقطة البداية في مشواره الدراسي وحياته ككل، اقتربنا من إحدى السيدات التي كانت متواجدة بمحلات حي 500 مسكن في برج بوعريريج، بصدد اقتناء المستلزمات الدراسية لأطفالها، وبسؤالنا عما إذا كان لها ولد سيلتحق بمقاعد الدراسة، أجابت بنعم، مؤكدة أنها تنتظر بفارغ الصبر دخول أبنائها لأول مرة إلى المدرسة، وتفرح برؤيتها لهم وهم يحملون الحقيبة المدرسية، هذا الأمر يكفي أن يكون حدثا سعيدا بالنسبة لهم، وهنا تبدأ بتحضير مختلف الأكلات التقليدية التي لم يستطع التقدم ولا تعاقب السنين محوها. أما سيدة أخرى التقيناها بمحلات تجارية في مدينة العلمة، الواقعة شرق ولاية سطيف، فأكدت أن التحاق الطفل بالمدرسة لأول مرة، له طابع خاص ويوم مميز بالنسبة لهم، حيث تبدأ التحضيرات لوضع الأطفال في جو مريح، بداية من اقتناء الملابس الجديدة إلى مختلف المستلزمات المدرسية، وصولا إلى تحضير الأطباق بكل أنواعها، سواء التقليدية منها أو تلك التي يحبها الطفل. "الغرايف" و"السفنج" ليكون مشواره الدراسي حلو وخفيف لا تكتمل فرحة الاحتفال باليوم الأول من دخول الطفل إلى المدرسة، إلا بإعداد طبق الغرايف أو البغرير، كما يسمى لدى البعض، حيث أكدت السيدة آمال من مدينة تاجنانت، الواقعة جنوب ولاية ميلة، أن هناك عادات مرت عليها عصور من الزمن، إلا أنها لم تندثر، ومن بينها عادة "السفنج"، أو ما يسمى ب"الخفاف"، في بعض المناطق الجزائرية، مؤكدة أنها تقوم في الصباح الباكر، قبل استيقاظ باقي أفراد الأسرة بتحضر "السفنج" لولدها الذي سيلتحق بمقاعد الدراسة، حتى يكون فأل خير، من أجل خفة الاستيعاب، ويصنع من الدقيق، الخميرة والماء ويترك العجين، حتى يخمر، وبعدها يتم قليه في الزيت ورشه بعدها بالسكر والعسل، حتى ينتقل الطفل من طور لآخر بخفة وسهولة، مضيفة أن "الخفاف" لخفة الرأس والقدرة على الاستيعاب. أما السيدة رحمة التي التقيناها بسطيف، فأكدت أنها لازالت تسير على خطى أمها وجدتها، عند دخول أبنائها للمدرسة، بداية من تحضير "السفنج" في الصباح و"الغرايف" عند الغداء، وهو طبق تتفنن الأم الجزائرية في تحضيره، إذ يتكون من السميد، الماء، البيض والملح والخميرة، يترك حتى يخمر، ويتم طهيه على طاجين من الطين، بوضع العجينة على شكل دوائر، تظهر عليها ثقوب، وبعدها يتم رشها بالسكر والزبدة أو زيت الزيتون، حتى يكون عامه الدراسي حلو مثل هذه الأكلة، ويتم توزيعها على الأقارب والجيران، كما تقوم بعض العائلات بإعداد "المبرجة" و"الرفيس" وكذا "الطمينة"، وهو ما تقوم به السيدة أمال.ف، من مدينة حسناوة ببرج بوعريريج، ليكون عام طفلها حلوا، فهي تقوم بوضع قطعة حلوى في فم صغيرها قبل أن يتوجه إلى المدرسة، متبعة بذلك عادات الأجداد. أمهات يتخلين عن العادات خلال جولة "المساء" بالولايات الثلاث، وجدنا أن أغلبية العائلات في الشرق لديها عادات تتمسك بها عند بداية فلذات أكبادهم، مشوارهم الدراسي، على اختلاف ما يفكرون فيه، إلا أنه وجدنا أن عدة عائلات تخلين عن مثل هذه العادات، وهو ما ذهبت إليه السيدة فتيحة من رأس الوادي، جنوب شرق برج بوعريريج، التي أكدت أن هذه العادات مجرد خرافات، وأن نجاح التلميذ لا يحتاج إلى مثل هذه التقاليد، بل إلى دعم والديه، أما السيدة حنان من ولاية سطيف، فأكدت أنها تخلت عن هذه العادة منذ أن استقرت في منزلها بمفردها، بعيدا عن بيت الأسرة الكبيرة، وكذا انشغالها بمشاغل الحياة. وأخريات يركزن على الجانب النفسي يعتبر التحضير النفسي للطفل بأسبوعين أو ثلاث، قبل انطلاق الدراسة، من بين أهم العوامل التي تساعده على الالتحاق بالمدرسة دون خوف، خاصة وأنه في بادئ الأمر، يرى بأن الدراسة شبح يلزمه مفارقة والديه وأهله والمكوث في المدرسة لوحده، وهو الأمر الذي ذهبت إليه السيدة حدة، باعتبارها والدة وأخصائية نفسانية بولاية ميلة، حيث أكدت أنها تقوم بإطلاق عبارات لطيفة من شأنها أن تحبب الدراسة في نفوس أبنائها، وهذا يجنبهم الخوف والبكاء، أما إحدى السيدات بولاية سطيف، فأضافت أنها تهيئ ابنها نفسيا قبل أن يتوجه للمدرسة، كما دعت السيدات إلى تجنب الضرب والعنف مع الطفل، الذي يرفض التوجه إلى المدرسة، لأن هذا التصرف خاطئ، يجعله لا يحبذ الدراسة، أما عن العادات، فأكدت أنها ليست سيئة، بل تهيئ الطفل نفسيا بطريقة أخرى، وهكذا هي عادات العائلات الشرقية في أول يوم التحاق الأبناء بالمدرسة.