نشّط الدكتوران عاشور فني وجمال بلعربي، أوّل أمس بمنتدى الكتاب بالمكتبة الوطنية، ندوة فكرية بعنوان "القضية الفلسطينية في حركة الشعر العالمية"، تناولا فيها حضور القضية الفلسطينية في المشهد الثقافي العالمي، خاصة بعد "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، مستعرضين مشاركتهما في المهرجانات العالمية، خاصة بدول أمريكا اللاتينية المساندة للقضية بفعاليات، وبالتزام دائم، في حين تأسّفا للغياب العربي الحاصل، والاستمرار في عدم مساندة المقاومة بشكل فعّال ومباشر. تحدّث الدكتور عاشور فني عن مؤتمر الشعر العالمي بالعاصمة كراكاس، الذي يشهد حضور شخصيات عالمية، وبدعم مباشر من فنزويلا، مستحضرا الدعوة التي وُجّهت للمحامي الدولي الكبير جول دو فان، الذي دافع عن فلسطين، وقدّم ملفه للمحكمة الجنائية الدولية. وكان يرى أنّ الجزائر خير من يدافع عن فلسطين في المحافل الدولية. وكان يقول خلال هذا المهرجان العالمي المشهور: "أنتم تكتبون الشعر لتعجبوا الناس، وأنا أكتب عريضة دفاع لأجل إقناع الناس" ؛ ويقصد، طبعا، القضية الفلسطينية التي يلمُّ بكل تفاصيلها، وقادر على إقناع الناس عبر العالم، بعدالتها. وأكّد المتدخل أن حركة الشعر العالمية التي هو عضو فعّال فيها، اجتمعت في سبتمبر 2024، مقرّرة تنظيم فعاليات عن فلسطين في بلدان أعضائها من القارات الخمس. وقد بلغ 200 نشاط؛ منها إحياء يوم السابع أكتوبر "طوفان الأقصى" . وأضاف فني أنّ أمريكا اللاتينية تتصدّر هذا التوجّه بأنشطتها الشعبية الرائجة، عكس البلدان العربية الساكنة؛ كون دول أمريكا اللاتينية لها إرث ثوري عريق، وثقافة سياسية تصنع الوعي، لكن الجزائر، حسبه، تبقى متفرّدة أيضا، ولا تحتاج لمن يذكّرها بفلسطين؛ حيث برمجت 13 نشاطا منذ سبتمبر الماضي، وهناك المزيد، ناهيك عن إلغاء وزارة الثقافة والفنون كلّ الاحتفالات، وأبقت أنشطة دعم فلسطين. كما إنّ شعراء الجزائر كتبوا الكثير، ونُشر في مجلتي حركة الشعر العالمية. واختار الدكتور جمال بلعربي الحديث عن "فلسطين في الشعر الكوبي" ، مقدّما الكثير من النماذج التي ترجمها للعربية، متوقّفا عند شعار كتب على موقع اتحاد الكتّاب الكوبيين، وهو "ينبض الشعر في كوبالفلسطين"، مؤكّدا في سياق حديثه، أنّ المقاومة والنضال في هذا البلد، عقيدة؛ لذلك انطلقت الندوات والفعاليات عن فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023. وقدّم المتحدّث نبذة عن تاريخ هذا البلد النضالي، التي انعكست أيضا، في الشعر الذي لا يقلّ في أمريكا اللاتينية كلّها حضورا، عن كرة القدم؛ حيث تحضر أمسياتِه حشود من الجمهور مثل كرة القدم تماما. وما يميّز هذا الشعر هو الواقعية التي هي نتاج حركة تحرّر كبرى، واستثمار ذلك في طرح مختلف القضايا، وعلى رأسها السياسة، وقضايا التحرّر. وبهذا المضمون استطاع الأدب الكوبي واللاتيني عموما، الانتشار ابتداء من الرواية، التي جَرّت معها فنونا أدبية أخرى للعالمية. وقال المتحدث إنّ هذا الموقف من فلسطين يتجاوز إحساس التعاطف، بل إنّه التزام مستمَد من نضال هذا الشعب؛ لذلك فإنّ هذا الدعم، حسبه، ليس وليد "طوفان الأقصى" ، بل إنّ فلسطين كانت حاضرة في هذا المشهد على الدوام. وقرأ الدكتور بلعربي للشاعر الكوبي أنجل لارامندي مسياس، مقطعا من قصيدة "الحرب" التي كتبها في أكتوبر الماضي عن فلسطين، يصف أحوالها، وجبال العظام، والرماد، ويقول: "صوتي يطرق الأبواب، محرضا على القتال. القيثارة توقفت معلنة الميلاد، غدا نشعل النار، سيكون النصر لنا" . كما قرأ قصيدة "رسالة إلى نجوان درويش" الشاعر الفلسطيني المقيم بأمريكا اللاتينية، تقول: " ممكن أن يموت طفل، القدس نابلس وغزة، بذور القبر في الطريق، إلى منزله دون أحلام، يموت تحت المدافع والحجارة، خطواته مشدودة بالسلاسل إلى المحرقة، دون أن يلعب الكرة، بينما نحن السيئون والطيبون لا نحمل بندقية ولا نور ولا قلب". كما قرأ عدة قصائد منها "العقيدة" و"الفتاة الفلسطينية" الضاحكة الباكية التي تشبه العسل، والنجمة وخرير المياه. واستعرض المتحدث، أيضا، بعض فعاليات مهرجان هافانا للشعر في طبعته الماضية خلال جوان الفارط، وكيف خُصّصت ندواته لفلسطين، وللأحداث الأخيرة. واختار "كلنا غزة" للشاعرة دايلن فيغا تقول: "كل شيء باللون الأحمر، كل شيء باللون الأبيض ملفوف في الذراع، لم يكونوا جنودا بل مدنيون، كان فيهم الجد والأب والابنة والأم.. والذي لم يولَد بعد. القنابل تنفجر، ولأننا نتألم فكلنا غزة، أنت أيضا يمكنك أن تكون غزة، الكراهية لا تعرف الحدود". وبالمناسبة، أشار الدكتور فني إلى أنّ هناك جبهة ثقافية عالمية مفتوحة لمساندة فلسطين، لا تحتاج جيوشا ولا بنوكا ولا قوى مُجنّدة، بل تصنع وعيا ولو بالحضور، وتعمل بالملموس من أجل فلسطين، ومن أجل دحر دعاية الآخر الكاذبة. والجزائر يضيف لها تجربتها الفريدة؛ كنموذج حيّ عانى نفس الاستعمار الاستيطاني، واستطاع أبناؤها رميه لما وراء البحر، مستحضرا بالمناسبة، آثار الجزائر، وأوقافها، وأبناءها منذ عهد صلاح الدين، الذين لايزالون يقاومون: معلقا: "شيء منا لازال هناك". وسألت "المساء" المتحدّث عن سبب الصمت الثقافي العربي الراهن في مساندة المقاومة، فردّ بأنّ للقوى المالية والسياسية العربية يدا في ذلك، هدفها إبقاء الوضع على ما هو عليه، مع تغييب الوعي والجمال؛ لأجل أن تسود ثقافة أخرى، عمادها الترفيه والسطحية، والترويج لنموذج "الشو"، وللمريح والمبهج، ناهيك عن غياب الإعلام العربي عن فعاليات فلسطين؛ منها مهرجانات أمريكا اللاتينية، معلقا بأنّ فلسطين اليوم هي قضية العالم الإنسانية، وأنّ الثقافة اليوم أصبحت نوعا من الوعي، والصمود، والهيمنة. وتحدّث عن اتحادات الكتّاب التابعة لدول البريكس مثلا، وظهور ما يسمى ب"الجنوب العالمي". وعن الجبهة الثقافية الجزائرية قال لم يعد لها دور كما كانت في الماضي؛ ما خلق الضجيج على حساب القضايا المهمة؛ لذلك ينبغي أن تكون هناك رؤية، ومشروع وطني للمشاركة في كلّ الفعاليات العالمية.