يعد التنمر شكلا من أشكال العنف والإساءة والإيذاء، الموجه من فرد أو مجموعة من الأفراد إلى شخص، أو مجموعة أخرى من الأشخاص، حيث يكون الفرد المهاجم أقوى من المتعرض للأذى، إذ يفرض سيطرته عليه، وغالبا ما يكون تلاميذ المدارس ضحايا الأوجه المختلفة للتنمر، نظرا لصغر سنهم، وعدم اكتمال إدراكهم وثقتهم بأنفسهم، في الوقت الذي يهاجم المتنمر بشراسة وعدوانية. ولأن التنمر سلوك عدواني، من الطالب أو التلميذ في المدرسة تجاه زملائه، بشكل متعمد ومتكرر، فإن الكثير من الأمهات أصبحن يعشن هاجس التنمر على الإبن أو الإبنة من قبل الزملاء، على اختلاف الأسباب التي يجدها المتنمرون مادة دسمة للإساءة لغيرهم، على غرار اختلاف اللون أو الشكل أو الحجم، كأن يكون الطفل قصيرا جدا أو طويلا، فقيرا أو سمينا، أسمر اللون أو أشهب أو صاحب عيون صينية، كل هذه الأمور، أصبحت تشكل قلقا كبيرا لدى الأمهات، اللواتي أصبحن يرافقن أبناءهن إلى المدرسة للدفاع عنهم من المتنمرين، بعد أن كانت المرافقة للحماية من المختطفين، إذ تعمد الأم لإسناد ابنها وغلق الأفواه التي تتحدث إليه أو الأيادي التي تمتد إليه بالضرب أو المضايقة، من خلال الحديث المباشر مع الطفل وتنبيهه، أو حتى التهديد للابتعاد عنه، أو الحديث إلى مدير المدرسة... المعلم، أو المقابلة المباشرة مع أولياء المتنمر ومجموعته، إن وجدت، لكف الأذى عن الإبنة أو الإبن، إذ يصبح ذهابه إلى المدرسة كابوسا. مضايقات لفظية وألقاب مهينة تعددت القصص التي روتها الأمهات على مسامعنا، من تنمر الأطفال على بعضهم البعض، منها ما يضحك، ومنها ما يدمي القلب، إلا أن كلاهما يشكل غصة في القلب أم المتنمر عليه، قالت أم إسلام، البالغ من العمر 8 سنوات، أن ابنها كان يدرس مرتاحا قرير العين مع زملائه في مدرسته القديمة، وبعد أن اضطرت الظروف العائلة الانتقال إلى بيتها الجديد، وجدت نفسها وجها لوجه مع دموع ابنها الرافض الالتحاق بالمدرسة، لأن زملاءه الجدد في القسم يعايرونه بطول أذنيه، مردفة بقولها: "فاجأني ابني بعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة بقوة، وبعد الحديث إليه، فهمت أن زملاءه، يعايرونه بطول أذنيه، فهناك من يصفه بإحدى الحيوانات وآخرين بالجن... وجدت نفسي مضطرة لإعادة بناء ثقة ابني بنفسه وخلقته، وفي نفس الوقت، طرحت القضية على والده الذي تغيب عن العمل، للحديث إلى المعلم، وعرض شكوانا عليه، لاسيما أن بإمكانه إيقاف هذا الظلم على ابني، الذي فقد الشهية لمدة أسبوع، وهزل في وزنه، علمه أنه جد حساس". من جهتها، حدثتنا أم منصف، صاحب 10 سنوات، أنه فقد الثقة في كل المحيطين به، وأصبح عدوانيا في البيت، وكثير الصراخ، بعد أن عايره بعض الزملاء في المدرسة بمهنة والده، النظاف، الذي يعمل في المحيط المجاور، وقالت: "لاحظت أن ابني أصبح يتضايق من وجود والده أمامه، إذا ذهب إليه لإعطائه النقود أو اللمجة، أو رافقه للمدرسة، ليسمع والده صدفة أحد الأطفال يلقبه ب"ابن النظاف"- كل تقديرنا واحترامنا لمهندسي الصحة - هنا، نادى زوجي على ابنه وأخده من يده، ثم انصرف تجاه الطفل المتنمر وزميلين آخرين، وأخبرهم أن مهنته شريفة، وأن المؤمن يعمل بعرقه ويطعم أهله القمة الحلال، وأنه يفتخر بنفسه وبابنه الذي يدرس الآن، ليصبح في الغد، إطارا كبيرا يعتمد عليه". وتواصل: "حاولنا جاهدين الوقوف إلى جانبه ومساندته لتقبل مهنة أبيه، ورفض أي كلمة دخيلة من أشخاص لا يقدرون الجهود". وأضافت: "أتمنى أن تحسن الأمهات تلقين أبنائهن الأخلاق الحميدة، وكيفية التعامل مع الآخرين وجبر خواطرهم، بدل التفكير فقط في كيفية اقتناء بدلة رياضية وحذاء غالي الثمن". وحتى النحافة وجد لها المتنمرون طريقا... هكذا أخبرنا والد ليديا، 12 سنة، يقول: "تعاني ابتني الصغيرة من مشاكل حقيقية في الهضم، وهي تحت المتابعة الطبيبة، إلا أن ما يؤسفنا كآباء، قبل الحديث عن شعورها، هو الكم المعتبر من التنمر الذي تتعرض له، بسبب نحافتها، فهناك من يصفها بالجائعة وآخر بالميتة أو القصبة، في الوقت الذي تصارع الفتاة المرض وآلام البطن".