تناول المتدخلون في ندوة "غزة .. ازدواجية مواقف الغرب"، التناقض الذي يعيشه الغرب الداعي للمثل والعدالة والحرية، والصامت والمتواطئ أيضا كلّما تعلقت هذه المثل الإنسانية بالمظلومين والضعفاء وأصحاب الحق والأرض، لتكشف حرب غزة زيف تلك الشعارات التي تجاوزها الزمن وجرفها التاريخ. جاءت حرب غزة لتكون المحكّ وتفضح أصحاب الشعارات والمواقف المتناقضة والهشّة، لتتجلى ازدواجية المعايير، وأن بني البشر ليسوا سواسية في الحقوق وفي الإنسانية، وفي هذا، قال الأستاذ أحمد دلباني إنّ حرب غزة استغلت منذ اندلاعها فلسفيا وفكريا من منظور نقدي، كما استحضر مقولة المفكّر برودون الذي يصف فيها فلاسفة الغرب ومنظريه بالبؤس وب "كلاب الحراسة" الذين اصطفوا في جوق واحد للدفاع عن إسرائيل ومشروعها الاستيطاني، وذلك ليس من منطلقات سياسية، بل من منطلقات حضارية، واعتبار هذا الكيان امتدادا للغرب المتحضّر في محيط متخلّف وهمجي، وبالتالي كان هؤلاء منحازين تماما للسردية الصهيونية، وظلوا مدافعين عن القلعة المتآكلة وتبرير المظالم، ليضيف المتحدّث أنّ مناخ اليأس والتراجع الحضاري لا يمكنه أن يصمد أمام جرافة التاريخ، وهو ما يفسّر اليوم مدى الضياع والتيهان وفقدان اتّجاه البوصلة. أكد المتدخّل أيضا أنّ هؤلاء الفلاسفة قدّموا الولاء غير المشروط على حساب كرامة الإنسان والعدالة التي تقتضي زوال الاحتلال، وبعض هؤلاء المفكّرين يدّعون أنّ هذه الحرب حضارية بين الغرب والعالم الإسلامي، وآخرون يعتبرون القدس ركنا لقيام حضارة الغرب قصد حجب البعد السياسي عن القضية الفلسطينية، واعتبارها مقاومة احتلال مشروعة، لا علاقة لها بالحرب الدينية أو الحضارية، ولا علاقة لها بمعاداة السامية وليست عنصرية معادية لليهود، كما أنّ لا علاقة لها بتأنيب الضمير نحو اليهود، كما هو الشأن بالنسبة للغرب. بدوره، تناول الأستاذ بن عودة لبداعي جانبا من الأدب والفكر الكولونيالي وما بعد الكولونيالي وظروف تأسيس إسرائيل منذ الحرب العالمية الأولى، حيث كان من المقرّر اقامتها بإفريقيا وبعد الهولوكست اختيرت فلسطين ليدفع الفلسطينيون ثمن ما اقترفه هتلر وما كان سيقوم به بعدها أيضا ضدّ العرب.قال المتحدّث إنّ 7 أكتوبر بدأ في 1948 أي منذ النكبة، ثم أسهب في الحديث عن المفكّر الراحل ادوارد سعيد الذي قرّر في أيامه الأخيرة بعد معاناته مع المرض، أن يوثّق ذكريات عائلته، لأوّل مرة، وهي ذكريات مشابهة أيضا لذكريات وظروف مئات وآلاف العائلات الفلسطينية التي طُردت من بيوتها نحو المنفى، كما هو حال ادوارد ذو ال14 سنة، حينما طُردت عائلته من القدس سنة 1948، وكان يحرص المفكّر الكبير ادوارد سعيد على أن يحكي كلّ ذلك قبل فوات الأوان، حيث تطرّق الراحل لويلات الترحال ومعضلة جواز السفر وكيف أنّ والدته ظلّت تحتفظ بتصريح المرور بعد خروجها من القدس ليرثه هو بدوره. توقف الباحث سيداتي سيداني من موريتانيا عند مسؤولية الغرب في مأساة فلسطين، وبالتالي فإنّ نخبه وفلاسفته لن يدافعوا عن فلسطين ولا عن العرب وقضاياهم لأنّ قيم العدالة والمساواة يرونها حكرا عليهم والآخر منسي ومخفي كي لا ترى صورته وكي لا يكون بعدها الندم. اعتبر المتدخّل الموريتاني أنّ بعض مفكّري الغرب الذين نالوا شهرة لم يكونوا سوى منافقين في مواقفهم، ذكر منهم سارتر وميشال فوكو، ورغم ذلك قال إنّ الغرب ليس ملّة واحدة فبعض المفكّرين يتبنّون القضية خاصة بالنسبة للناطقين بالإسبانية، داعيا إلى ضرورة أن نتحدّث عنا بأنفسنا ولا ننتظر دفاع أو موقف أحد. استضافت الندوة أيضا السيد حسين عباسي صاحب جائزة نوبل للسلام في 2015 ورئيس الاتحاد العام التونسي للشغل سابقا، ليقف في مداخلته عند المحن التي يعيشها الشعب الفلسطيني وذلك ليس فقط، منذ الأحداث الأخيرة، بل منذ عقود من الزمن، مستحضرا زيارته لغزة ولبعض الدول ضمن اجتماعات مع بعص المؤسّسات الدولية، وكيف رأى بأمّ عينيه سياسة المكيالين والخطاب المزدوج، ومما ذكر سفره الشهر الماضي للمكسيك في إطار دعوة عمل تضمّنت أيضا صدور بيان عن فلسطين، لكن هذا الأخير شهد التوتر بين المدافعين عن غزة والمدافعين عن الاحتلال بشراسة، واعتبار الضحية والجلاد في كف واحدة، وهو ما يفسّر توغل الآلة الإسرائيلية والغربية الإعلامية التي ترسّخ صورة العرب الهمج، كما ذكر السيد عباسي مهمة قام بها سنة 2014 عندما كان نائب رئيس الكونفيدرالية الدولية للشغل والمتعلّقة بزيارة لغزة للاطلاع على حجم دمارها، في اطار وفد دولي، لكن المهمة لاقت العراقيل خاصة عبر الحدود، لكن صمود الفلسطينيين كان، حسبه، لا يوصف. أثناء المناقشة وقف الأستاذ دلباني عند ظهور حركة اليقظة التي تخوّف الآن أوروبا وتساهم في تصدّع الغرب، جاءت لمحاربة الظاهرة الاستعمارية، هناك أيضا حركة التماثيل في أوروبا التي كسرت رموز الاحتلال الاستعماري المجرم .كما ردّ المتدخّل على سؤال "المساء" المتعلّق بالفلاسفة كلاب الحراسة الدال على أنّ الراهن لم يعد لهؤلاء وأصبح دورهم باهتا وغير مؤثر، ليؤكّد أنّ هؤلاء يحرسون فقط الخطاب الرسمي الغربي الصهيوني ولم تعد لهم فضيلة المثقف الحر.