التقت مجموعة من الكاتبات الجزائريات، أول أمس، بفضاء "تاسيلي" بسيلا 2023، ضمن ندوة "المرأة تكتب روايتها "، للحديث عن تجاربهن الإبداعية والإنسانية، وانغماسهن الكامل في بحر الإبداع؛ من خلال السير في دروب البحث عن أشكال جديدة، خاصة في الأساليب والأشكال التي تؤطّر السرد والمحتوى. عرضت الكاتبة فلورانس بلقاسم تجربتها الإبداعية التي رافقت عملها الإعلامي، كصحفية عملت عبر العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، علما أنها من أم فرنسية، ومن أب جزائري. بداية فلورانس مع الرواية كانت سنة 2020 بإصدارها "الدعسوقة ". وقالت إن الفكرة جاءتها خلال جنازة والدتها التي دُفنت في مسقط رأسها بقرية تقع شرق فرنسا. وكانت مراسيم التأبينية وطقوسها ذات طابع خاص، فيه الكثير من الرقي والجمالية خاصة داخل الكنيسة. وحينها رأت دعسوقة تطير في المكان ولا تغادره، وتحوم حول والدتها، فتأثرت بذلك. وعند عودتها إلى باريس اتصلت بخبير في الحشرات لتسأله عن ذلك، ثم ذهبت إلى سيدة مختصة في الروحانيات وسألتها عن الدعسوقة، فردّت أن ذلك ما هو إلا بشرى خير، ورسالة من والدتها. وهي اتصال عادي بين الأحياء والأموات، مؤكدة أن كل شيء طائر هو فأل خير، ومن ذلك الحين قالت فلورانس إن اعتقادها تغيّر، فكتبت الرواية. روايتها الأخرى ارتبطت بالجزائر، وهي "هؤلاء يشيرون لي "، التي سردت فيها قصة جدها الذي عاش في إحدى قرى منطقة القبائل. وعلمت أنه تزوج بجدتها تسعديت، التي فارقت الحياة وهي تضع مولودها الذي هو والدها، ليعطيه والده لخالته تتكفل به حتى السن السابعة. ثم التحق للتعلم عند الآباء البيض. وفي سن 60 عاد إلى الجزائر بعد هجرته، ليحضر جنازة خالته التي كان يظنها أمه الحقيقية. وعندما عرف السر صُدم. وهذه التفاصيل كلها ذكرتها في الرواية. ثم سافر إلى فرنسا. ولم يعد إلى الجزائر؛ تقول: "حلمت ذات مرة بجدي المتوفى منذ 20 سنة، يزورني في المنام، مؤكدا أنه سيرجع إلى بيته، ليعيد كل تلك الذكريات"، لتحكي الرواية عن الجد، والأب، وتسعديت، وفلورانس الحفيدة. الرواية جاءت بالصدفة بعدها جاء دور الكاتبة زينب الأعوج، التي قالت إنها ترى نفسها تكتب الشعر. أما الرواية فقد جاءتها هكذا لتفرض نفسها. وظل زوجها واسيني طيلة 20 سنة، يلاحقها، ويحثها على كتابة الرواية؛ لأنه يرى أن في شعرها الكثير من السرد، متوقفة في حديثها عند "رباعيات نوارة الهبيلة "، و"مطية بغداد "، هذه الأخيرة التي استشرفت الأحداث التي نعيشها، وتحصلت بها منذ 10 سنوات، على جائزة "نازك الملائكة" بالعراق. ثم كتبت "أحاور جداتي" وغيرها، لتولَد بعدها روايتها الأولى "سويت أمريكا "، علما أنها تزامنت وكتابة 3 مجموعات شعرية لها، لم تُنشر بعد. وعن الرواية قالت: "عشت في أمريكا سنتين. واكتشفت هناك مدى التمييز المسلط على العرب والمسلمين، فكتبت الرواية عن حياة رجل لبناني من أصول مسيحية، كان مرمما لأماكن العبادات من مساجد وكنائس وغيرها. وكان هذا الشخص متزوجا من سيدة ذات ديانة بوذية، وتبنى معها فتاتين، إحداهما من يهود اليمن، والأخرى مسلمة من أفغانستان. وتعيش الأسرة آمنة سعيدة، لكن المتطرفين العنصريين المناهضين للعرب وللسود وغيرهم، ظنوه مسلما، فخططوا لقتله، واختطفوا ابنته المسلمة، لتُغتصب، وتُقتل، وأرادوا ذلك أيضا لابنته الثانية التي نجت. وفي إحدى المرات فتحت كنيسة رمّمها. وفي حفل التدشين علم الجميع أنه مسيحي. كان الجميع يحبه، لتَسامحه، وأخلاقه ". وهنا أشارت المتحدثة إلى أن الرواية إدانة للعنصرية، ولنبذ للآخر. حضور البيئة المحلية في الرواية من جهتها، أكدت الروائية والإعلامية جميلة طلباوي، أنها تعتمد في كتاباتها، على تثمين منطقة الصحراء التي أتت منها بكل ما فيها من تراث وحكايات وسياحة وآثار. وقالت: "أدركت أن الصحراء ببيئتها تردّ على الأسئلة الفلسفية الوجودية، وألهمتها الكثير، فكتبت "الخابية" عن قصر بشار. وهو تجمّع سكاني يلمّ العائلات داخل جدرانه الطوبية التي تحيط بها أشجار النخيل. وهذا المعمار، حسبها، أثر على خصوصية أبناء المنطقة، وبالتالي شخوص الرواية. وفي الرواية تلتقي نانسي الأمريكية بالمرشد فاتح، وتعجب بالعمران الجامع للناس وللأصالة أكثر من أبراج الغرب العصرية. ثم تحدثت عن "وادي الحناء "، وهي صورة من مدينة أدرار، معروفة فيها نبتة الحناء صديقة المرأة، والتي تجفَّف وتُسحق لتعطي كل ما هو جمال. وكذلك الحال مع الإنسان؛ فهو عندما تسحقه الحياة يزداد تجربة وحكمة، ويُخرج أجمل وأثمن ما بداخله. ويظهر في الرواية شيخ الزاوية وزوجته عويشة في أحداث متتالية. وقالت إن هذه الرواية فازت بجائزة يمينة مشاكرة. رواية أخرى عن "قلب الإسباني "، وهو شاب من مدينة بشار، هاجر إلى إسبانيا، وحمل معه ذكرياته، ليكتشف هناك الأندلس. وكذلك "الغار" التي تحكي عن منجم الفحم بالقنادسة، الذي أضاء أول مصباح بإفريقيا، ثم تحوّل إلى نقمة، استُعبد فيه الجزائريون إبان الاستعمار الفرنسي. وتحدثت بعدها الروائية الدكتورة ليندة شويتن من جامعة بومرداس (أدب إنجليزي)، التي استعرضت ريادة الكاتبات في الأدب الإنجليزي، مشيرة إلى أن المرأة عبر العالم، بدأت الكتابة متأخرة في القرن 19. وتحدثت، بالمناسبة، عن فرجينيا وولف التي كتبت "أخت شكسبير" لتروي معاناة المرأة والتضييق عليها عن قصد، ومن ذلك التضييق على الكاتبات، الذي استمر حتى الزمن الراهن. ثم قدّمت بعضا من رواياتها؛ منها "رقصة الفالف" التي تحكي إرادة خياطة مُنعت من التعليم، وتحدّت الصعاب، ونجحت، وسافرت إلى فيينا. وهي تحلم برقصة فالف المشهورة. وكذلك روايتها "خصلة الشعر المسكينة" التي تتعرض للقص، ولعب المقص، والألوان، وغيرها تماما، كما يتعرض الإنسان للضغط، والصعاب. ورفضت المتحدثة وصف ما تكتبه المرأة بالنص الأنثوي. وقالت إن التصنيف لا بد أن يكون وفق المضمون وليس الجنس. تجارب إبداعية من وحي حكايات الجدات كما عرضت الكاتبة الشابة سامية بن دريس، تجاربها الإبداعية؛ منها "رائحة الذئب" المستوحاة من تاريخ الثورة، ومن قصص لم يكتبها التاريخ، كان مصدرها حكايات الجدات وما عانينه إبان الاستعمار؛ من ذلك الاغتصاب، مثلا، الذي كان مسكوتا عنه. وكتبت أيضا "شجرة مريم" التي أرّخت للعشرية السوداء، وكيف واجهتها المرأة، ثم "بيت الخريف" وتتناول حكايات عجائز بدار المسنين، وما تحفظه ذاكرتهن. وقالت إن أصعب ما في الكتابة هو التقنيات، التي هي أساس الارتباط بالقارئ، الذي يطلب في الأساس، متعة القراءة، ليصل إلى نهاية المقروء، مؤكدة أنها تعتمد تقنية الاسترجاع (الذاكرة)، وتطعمها ببعض التقنيات السينمائية؛ كاسترجاع اللحظة الخاطفة لإخراج القارئ من الملل، لتختار اللغة الدالة الكثيفة، التي تترك للقارئ حرية التخيّل. ما أشبه أمس الجزائر بغزة اليوم! آخر المتدخلات كانت الروائية ليلى عامر، التي جالت في رحاب تجربتها، وسجلت بعضا من حكايات مسقط رأسها بتيارت، وقدّمت باكورة أعمالها "البقايا" سنة 2017. وكتبت أيضا "امرأة افتراضية" وبطلتها سميرة، التي أصيبت بانفصام الشخصية. واتخذت من وسائل التواصل الاجتماعي أداة للانتقام من مجتمعها. وهذه الرواية حققت انتشارا واسعا في عدة دول؛ منها العراق، ومصر، والسعودية، وفلسطين. ونالت حقها من الدراسات النقدية. وتُرجمت، أيضا، للفرنسية. وكتبت "نخب الأولى "، وتطرح زواج القصّر المغتصبات من الذي اغتصب، أي أنّها تعالج المشكل بآخر، لتصل إلى كتابة مذكرات التاريخ في شكل سرد روائي بعد مقابلة كبار المجاهدين. وهنا ذرفت دموعها من فرط ما سمعت، وتأثر الحضور أيضا لذلك، مؤكدة أن نفس أحداث الثورة تتكرر اليوم بغزة؛ من ذلك الفتاة التي تعرفت على أمها الشهيدة من خلال شعرها الملطّخ بالدم وهي تناديها: " أمي.. انهضي "، وكذا تهديد أم أخرى جاءها المخاض، ووضعت مولودتها في السجن، لتهدَّد في النفاس بالكلاب. ثم استُشهدت كما استشهد قبلها زوجها. وابنتها، اليوم، تحتفظ بذاكرتها، إضافة إلى شهادات أخرى قاسية جدا، مؤكدة أنها تعتزم مواصلة هذا العمل؛ وفاء لذاكرتنا الثورية.