في ليلة عنوانها الوفاء للفن والفنانين، استحقت الممثلة المسرحية والسينمائية الكبيرة نادية طالبي، تكريما يليق بمكانتها وتاريخها الفني الحافل، خلال افتتاح الدورة السابعة عشرة للمهرجان الثقافي الوطني للمسرح المحترف، الذي أقيم أول أمس، بالمسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي"، بحضور وزير الثقافة والفنون زهير بللو، وكوكبة من الفنانين والمسرحيين وعشاق الخشبة. تميزت ليلة الافتتاح بتكريم نادية طالبي، التي أضفت على الأمسية طابعا خاصا بشخصيتها الفريدة وتاريخها الحافل بالأعمال الفنية المتميزة. وزير الثقافة، إلى جانب محافظ المهرجان محمد يحياوي، أشرفا على هذا التكريم وسط حضور زملاء نادية طالبي، مثل فتيحة سلطان، مصطفى عياد وفضيلة حشماوي، الذين أضافوا للمشهد لمسة إنسانية ودافئة. أكدت التصفيقات الحارة من الجمهور، على مكانة نادية طالبي الراسخة في قلوب عشاق المسرح والسينما، تقديرا لمسيرتها الزاخرة بأعمال مسرحية خالدة، مثل "العلق" لعبد القادر علولة، "يا ستار وارفع الستار" لمحمد بن قطاف، و«الفوضى" لأحمد عقون، إضافة إلى مشاركتها البارزة في فيلم "وقائع سنوات الجمر" للمخرج العالمي لخضر حامينة. لم يقتصر التكريم على الأضواء والاحتفاء، بل كان لحظة استذكار ووفاء من نادية طالبي لزملائها الذين رحلوا عن عالمنا، حيث استحضرت أفضالهم ودورهم في مسيرتها الفنية، مؤكدة أنهم كانوا "أبطالا"، وأنهم علموها الكثير. هذا التواضع والاعتراف بالجميل، يعكس جوهر شخصية نادية طالبي التي ظلت وفية للفن ولزملائها. تكريم نادية طالبي في هذا المحفل الفني الكبير، لم يكن مجرد احتفاء بشخصها، بل هو تكريم لتاريخ المسرح الجزائري الذي لطالما كان صوتا للقضية الوطنية ومرآة للمجتمع. طالبي، بأعمالها المتميزة وحضورها الفني اللامع، تمثل أيقونة لهذا التاريخ، وتظل نموذجا يُحتذى به للأجيال القادمة. يُعد هذا التكريم جزءا من تقليد تبناه المهرجان في دوراته الأخيرة، حيث يتم إطلاق أسماء رموز المسرح الجزائري على دوراته. فبعد دورة الراحل طه العامري، ودورة سيد أحمد أقومي في العام الماضي، حملت هذه الدورة اسم نادية طالبي، في إشارة إلى أهمية الاحتفاء بمن ساهموا في بناء وتطوير المسرح الجزائري. من جهته، أكد وزير الثقافة، في كلمته الافتتاحية، على الدور التاريخي للمسرح في مرافقة القضية الوطنية، وشدد على أهمية المسرح كأداة لتعزيز الأمن الثقافي والتأقلم مع تحولات العصر، داعيا إلى دعم الإنتاج المسرحي وتطوير آلياته. في هذا الشأن، قال بللو، إن المسرح علمنا، أن المسرح رسالة ثقافية تاريخية تتصل بالحركة الوطنية، وبالحرية والهوية منذ رواده الأوائل، على غرار علالو وبشطارزي ورشيد قسنطيني وغيرهم، وتابع "منذ اندلاع الثورة التحريرية، رافق مسرحُنا الثورةَ وكان صداها ومرآتَها خاصة مع الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وكان له الفضل في بث الوعي الوطني ومؤازرة مشروع الدولة الحرة المستقلة من ربقة الاستعمار..". وافتتح المهرجان بعرض مسرحي تركيبي بعنوان "70 سنة في غرامك"، من إخراج محمد شرشال، استعرض مسيرة سبعين عاما من المسرح الجزائري، منذ تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، عبر لوحات فنية متنوعة استمرت لساعة وخمس وأربعين دقيقة. تناول العرض محطات بارزة من النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، مُبرزا تضحيات الشعب الجزائري وشهدائه، واستحضر شخصيات مسرحية بارزة، كمحمد بودية وعز الدين مجوبي. كما عالج قضايا راهنة، مثل القضية الفلسطينية، التضليل الإعلامي، أوضاع الفنانين، والبيروقراطية، واختُتم العرض بالتأكيد على دور المسرح في نشر الكلمة الحرة. تتواصل مجريات الدورة السابعة عشرة للمهرجان إلى غاية 30 من الشهر الجاري، بمشاركة 18 عرضا مسرحيا، تمثل المسارح الجهوية، إلى جانب ورشات تكوينية وندوات ينشطها نخبة من الفنانين والمخرجين.