يرى الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي وبالفن المسرحي على وجه الخصوص، أن واقع المؤسسة المسرحية الجزائرية دخلت مرحلة "التراجع والانهيار"، وأن بريقها الفني بدأت تفقده سنة تلو الأخرى. إعداد: نسرين أحمد زواوي رغم الميزانية المالية الضخمة التي ترصدها الدولة لتسيير شؤون هذه المؤسسة التي ارتبط اسمها بأحد رموز الفن مسرحي "محي الدين بشطارزي"، وتعاقب على إدارتها أسماء لها وزن في الساحة المسرحية بالجزائر، آخرها كان الفنان الراحل امحمد بن قطاف، لكن الغموض مازال يحوم حول مهامها، والفوضى في عرض أنشطتها، الى جانب الانتاج الفني الذي لا يشبع رغبات جمهور. .. محمد يحياوي يعتزم ضخ نفس جديد في الإنتاج المسرحي محمد يحياوي المدير الحالي للمسرح الوطني وفي آخر تصريحاته يقول أنه سيعمل على قدم وساق لإعادة الاعتبار لهذه المؤسسة وللمسرح الجزائري، وذلك من خلال تبني سياسة جديدة ستكون صارمة بالنسبة لتسير الشؤون الداخلية للمسرح، وكذلك بالنسبة للإعمال التي ستقدم على مستوى خشبته، ومن ابرز القرارات التي أتخذها هذا الأخير إحالة العمال الذين تجاوز سنهم الستين عاما على التقاعد، وذلك من اجل فتح الفرص أمام الشباب لإثبات قدراتهم سواء تعلق الأمر بالتسيير أو بالإبداع، تنظيم ورشات تكوينية يؤطرها كبار المختصين عرب أو أجانب في المجال المسرحي، إلى جانب تبني سياسة جديدة في التعامل مع الأعمال المسرحية التي يتم عرضها على ركح المسرح الوطني مستقبلا، لكن هل هذه الاقتراحات التي قدمها مدير المسرح ناجعة في إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي يتخبط في المسرح الوطني وهل هي كفيلة لإعطاء نفس جديد لهذا الفن بالجزائر، هذه الأسئلة طرحتها "الحياة العربية" على بعض المهتمين بالمسرح والمشتغلين بهذا الحقل الواسع للتعرف على إقترحاتهم لديمومة واستمرارية المسرح في الجزائر فكان هذا الاستطلاع:
المخرج هارون الكيلاني: "المسرح الوطني حق لكل الجزائريين وليس حكرا على العاصميين" استبشر خيرا بكل الانشغالات الفنية التي ذكرها مدير المسرح، بغض النظر عن الجانب الإداري الذي لم ولن أفهم كيف تسيير الأمور داخل المسرح الوطني، لكن المهم هي المؤسسة في حد ذاتها، التي هي بحاجة إلى سياسة رشيدة تنقذها من الذي آلت إليه، لكنني متفاءل جدا بالمقترحات الفنية والإبداعية التي ستعيد وهج المسرح الوطني، والذي أتمنى أن يبقى مفتوحا أمام الشباب الجزائري والمبدعين بصفة عامة، لأن هذه المؤسسة ليست للعاصميين فقط إنما هي ملك لكل الجزائريين أينما كانوا. وعلى ذكر الجزائر لابد للمسرح أن يجول المدن الجنوبية وأن تكون جولات فنية بين الشمال والجنوب، وأن لا يفرّط في قدرات مبدعيه خاصة الشباب منهم، وأن يأخذ التكوين نصابه من هذه المقترحات من خلال إنشاء معاهد مختصة وتنظيم ورشات تكوينية، كما أرى أنه حان الوقت للاهتمام بمسرح الطفل لأنه في نظري مفتاح النهوض بالمسرح وضمان ديمومته واستمرار يته مستقبلا. الباحث عبد الناصر خلاف: "أهل القرار مطالبون بتخليص المسرح من الاعتماد على دعم الدولة " ما أشار إليه مدير المسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي هو الجانب التقني، فهو تحدث عن آليات لجعل المؤسسة تقوم بمهامها باحترافية سواء من حيث التنظيم والإدارة والبرمجة وجودة العروض .. لكن السؤال المؤرق كيف ومتى ؟؟ بصراحة لا املك مقترحات للنهوض بالمسرح الوطني الجزائري لسببين أنني لست موظفا ولا مستشارا في هذه المؤسسة، لكنني أرى أنه من الضروري فتح نقاش مع المختصين والممارسين والخبراء عن مهنية واحترافية المؤسسات المسرحية، وبنظري أن أهم تحدي سيواجهه المسرح الجزائري هو كيف يمكنه التخلص من الاعتماد التام على دعم الدولة الجزائرية، وما يثير اهتمامي في هذه القضية أن وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي كلفت لجنة مختصة من بين أعضاءها مدراء مسارح جهوية، لكي تبحث في أسباب تردي وضعية المسرح الجزائري: أين وصلت تلك اللجنة وأين ذهب تقريرها، والى ماذا خلصت؟. الناقد المسرحي حسن تليلاني: "يحياوي لا علاقة له بالمسرح فكيف ننتظر نهضة مسرحية"؟ إن مهمة تسيير المسارح في بلادنا توكل لأناس لا علاقة لهم بإدارة العمل الفني، وهو العمل الذي يتطلب مستوى علمي معين واحترام دفتر شروط محدد، يعتمد على برنامج تتحقق فيه مجموعة من الأهداف المدروسة، كما هو معمول به في العديد من الدول، ففي نظري فاقد الشيء لا يعطيه، فالسيد يحياوي المكلف بإدارة المسرح الوطني لا علاقة له بالمسرح لا من قريب ولا من بعيد، فكيف ننتظر إذن منه أن يحدث لنا نهضة مسرحية ؟؟؟. أعتقد أن نهضة المسرح تتحقق بفضل رجال أكفاء من ذوي الاختصاص المسرحي مخرجين وكتاب ونقاد وموهوبين أما أن ننتظر العطر من نافخ الكير فدلك من سابع المستحيل. أدعو وزيرة الثقافة السيدة نادية لعبيدي إلى التدخل الفوري من أجل إنقاذ مسرحنا الوطني من براثن الرداءة والرداءة أيضا والحمد لله الأسماء كثيرة من ذوي الكفاءات والتخصص ، أنا أرجو من السيدة الوزيرة أن تعيد المسرح إلى أهله وأحبابه.
المخرج جمال قرمي: "حان الوقت لكي نقول للمسيء قد أسئت وللمحسن قد أحسنت" لا يختلف اثنان على أن المقترحات التي أقرها مدير المسرح تسير في نهج النهوض بالحركة المسرحية في الجزائر، لكن في نظري وحتى يتحقق ذلك يجب أن تتضافر الجهود، لأن ما وورثة محمد يحياوي من الإدارة السابقة التي كانت "متعفنة" بسبب تراكم المشاكل، الأمر ليس سهلا والمهمة ستكون جد صعبة ومعقدة على المدير الحالي، فالتفكير بالإصلاح الداخلي شيء إيجابي، وفي نظري فتح الباب للشباب وإعطاءهم فرصة للتسيير هي خطوة موفقة للإدارة الحالية، لأن الوقت قد حان لذلك، كما حان الوقت لكي نقول للمسيء قد أسئت وللمحسن قد أحسنت، فإذا أراد أن يصل إلي ما يريده يجب أن يضع ثقته في الشباب وأن يضع ثقته في المؤطر الجزائري، سواء تعلق الأمر في إنتاج عروض مسرحية، أوفي التكوين، يكفينا الاستعانة بمبدعين من الخارج، الجزائر ليست عاقرا، عندها مبدعين أكفاء، هم فقط بحاجة إلى فرص وإمكانات لتحقيق إبداعهم. الفنان عبد الحميد رابية: "سياسة ثقافية واضحة المعالم رهان النهوض بالمسرح الجزائري" تعودنا مع كل مدير جديد أن نسمع قرارات جديدة، أتمنى أن لا تبقى مجرد حبر على ورق، لكنني وبحكم تواجدي بهذه المؤسسة منذ تأسيسها أرى أن هذا الوضع الفوضوي الذي يطبع المسرح الجزائري في الوقت الراهن، يحتاج إلى أكثر من تلك القرارات، فهو بحاجة إلى إستراتجية جديدة مبنية على سياسة ثقافية من شأنها أن تعرف المثقفين والمبدعين بحقوقهم من جهة وواجباتهم من جهة أخرى. فالمشهد المسرحي أو المشهد الثقافي بصفة عامة في الجزائر محتاج إلى إرادة قوية وشجاعة أكبر من طرف أصحاب القرار لتحديد تصور كلي ينهض بهذا القطاع ويخرجه من نفقه المظلم، إن رداءة التي وصل إليها المسرح الجزائري لا تقتصر فقط على مستوى الإنتاج بلى تعدت إلى أبعد من ذلك ومست المضمون، فمعظم المسرحيات المنتجة في الآونة الأخيرة معظمها لا تساير الواقع، ولا تخدم ذوق الجمهور الجزائري الذي له عاداته وتقاليده يجب على الفنان احترامها. أما تردي الوضع على مستوى الأعمال المسرحية في السنوات الأخيرة يعود في نظري إلى الاعتماد أكثر على الموهبة والمسرح الهاوي دون أسس علمية ومعرفية وأكاديمية، بالإضافة إلى ضعف الناشطين في العمل المسرحي، من مخرجين وممثلين وكتّاب النصوص المسرحية وهذا يرجع أيضا بسبب عدم اعتمادهم على مناهج علمية في تكوين وتدريس الممثلين حتى في المدرسة الوطنية للفنون الدرامية، والتي حان الوقت لتنقيحها بمدارس عليا توفر تكوين صحيح للأجيال القادمة من شباب المسرح. فما أراه ضروري لإعادة الاعتبار للمسرح الجزائري هو دعوتي للمسرحيين، فعليهم مراجعة إبداعهم الفني، يجب أن يكون نتاجهم يعكس واقعهم وواقع مجتمعهم، يجب أن يكون لهم وعي بما يقدموه على خشبة المسرح، لا أنكر أهمية الاقتباس الذي يعد حل أسمى لمشكل النص الذي يعرفه المسرح الجزائري، لكن يجب أن الاقتباس مراعيا للبيئة الجزائرية، ولعادات وتقاليد المجتمع الجزائري.