عندما تحضر الثورة الجزائرية يبتسم الحرف وتكبر الأسماء وينفتح المغلق من الذاكرة ليشارك في معرض الأمجاد، الثورة الجزائرية التي استطاعت أن تشكل من المستحيل الحقيقة، وأن تنحت من طغيان الطغاة خريطة وطن وتدوس على الأنوف المعقوفة بالكبرياء الفرنسي، هي الثورة التي أحضرت الشهادة والشهداء وأولمت للأدباء العرب أشهى الولائم الأدبية فأفرشوا لها كل خرائط أوجاعهم، وزينوها بكل جواهر تاريخهم ثم نصبوا لها تمثالا من الشعر وأوقدوا لها شموسا من الكبرياء وجاءوا الى ملتقاهم وملتقاها وردّدوا نشيدها الموسوم بكل كبرياء الجمال، الأدباء العرب تواعدوا والثورة بالمكتبة الوطنية على افتتاح الملتقى العربي حول الثورة التحريرية في الأدب العربي من أجل تزيين عزة نوفمبر بجماليات الأرواح المبدعة· فقد افتتحت صبيحة أمس بالمكتبة الوطنية فعاليات الملتقى العربي حول الثورة التحريرية في الأدب العربي الذي يأتي في ظل "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" بعد أن كانت إبّان ثورتها قبلة الأمجاد العربية، حضرت شخصيات أدبية وسياسية عربية وجزائرية تم خلالها تكريم الأديبة والكاتبة اللبنانية نور سلمان اعترافا لها بدراستها لآداب الثورة الجزائرية، كما تم تكريم الدكتور الأمين الزاوي من قبل مجلس أمناء لجنة تخليد عمالقة الشرق بدرع اللجنة· الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الأمين الزاوي والتي استطاع فيها أن يحدّد ببوصلة الثورة الطريق الذي انتهجه الأدباء العرب والقبلة التي وجّهوا إليها أقلامهم، مؤكدا أن الذاكرة ليست المكوث في الماضي بل الاستمرار في تسلّق القادم عبر الشعاب في قراءة الماضي الناقدة غير المتعبّدة·· والثورة الجزائرية التي كانت رئة تنفّس العرب من خلالها هواء الحرية بعد أن لوّثه الاستعمار، أيضا كانت هزيمة 1967 نكسة بعد هذا النفس التاريخي العظيم· فكانت الثورة الجزائرية مبدعة للشعر ومولّدة للشعراء فحبلوا بها السنوات السبع المضيئات بالدم والدموع· فكان الشعر من الجواهري، السياب، خليل حاوي، البياتي، أحمد عبد المعطي حجازي، نازك الملائكة، نزار قباني وغيرهم من الأسماء وأقطاب الأدب العربي، علّمت الثورة الجزائرية أن يحلموا وعلّمتهم أن الحلم هو الصراط المستقيم إلى الواقع، حرّرتهم، وصار النص مملكة للحرية وغابة للحلم، كعبدة، النار هكذا التفّ الأدباء بالثورة الجزائرية· كان الأدباء في الثورة ومعها كانوا في الجمال والتجريد بهذه الكلمات التي نحتها الزاوي انفتحت شهية الملتقى على تكريم الأديبة اللبنانية نور سلمان من قبل الوزيرة والأديبة زهور ونيسي· ومن سفراء عرب حضروا ليدشّنوا التشكيل النوفمبري من خلال الكلمات· الأديبة اللبنانية نور سلمان آتت بهرم الثورة الأدبي والقاعدة التي بني عليها وهي الوحدة والتنوع، وبهذا تقول ستبقى الثورة الجزائرية مرجعاً للثورات في صفحات من لحم ودم، كما ستشكل فصلا ملحميا من تاريخ العالم العربي، وقد مثل الأدب الجزائري الجهاد والصمود للحفاظ على الأرض والهوية والتراث· وتضيف الكاتبة اللبنانية نور سلمان في تشخيصها للأدب الجزائري كان الأدب الجزائري الفصيح والشعبي باللغات المتداولة مصدراً أساسيا للبحث في الثورة، ومازالت الثورة تلهم الأقلام· وبعد هذه الكلمة عن الأدب الجزائري ومنابعه خلال الثورة تم تقديم تركيبا شعريا تحت عنوان "اسمي جميلة" التي تصدعت لها القلوب العربية من الماء إلى الماء، وتشقّقت لها مشاعر وأحاسيس الشعراء فأوقدت لها شموعاً من القصائد ونثرت على اسمها أوجاعاً من الجمال، ونحتوا لها تمثالاً من المجد الذي تقزّمت له كل منحوتات فرنسا وماخلّدها، انها بطلة الجزائر ونخلتها السامقة جميلة بوحيرد التي جلدت الجلاّد بالكبرياء، وتزيّنت بدمائها وجعلت منها زينة للحرية والمجد· هي جميلة التي أبدعت الشعراء وكانت أسطورتهم حيث من خلال ضفائرها نسجوا شموس الحرية ومن خلال كبريائها تسلقوا كل أساطير التاريخ ليصنعوا منها ملحمة أخرى تظهر من خلالها "جون دارك" فرنسا مجرد جارية أمام معبد الصمود والحرية التي جسّمته جميلة فكانت صرخة للإنسانية أدهشت الاستعمار الفرنسي وزعزعته، بل ومرّغت أنف الطغاة في وحل الجريمة والخزي والعار، كما قال نزار قباني·