يقع على عاتق الوالدين عندما يقرران إنجاب طفل ثان مسؤولية تهيئة طفلهما لتقبل هذا الحدث الهام بالعائلة، وتكمن أهمية هذا التحضير في حماية هذا الأخير من الوقوع عرضة لبعض الاضطرابات النفسية التي إن لم يتم تداركها تؤثر سلبا على شخصيته في مرحلة المراهقة، والتي قد تتحول إلى حالة مرضية يصعب علاجها.وحول كيفية تحضير الطفل، والخطوات التي ينبغي اتباعها، والحيل التي يمكن اللجوء إليها، تقربت "المساء" من بعض المختصين من الأساتذة في علم النفس للإجابة على هذه التساؤلات ولتوضيح بعض المفاهيم. كانت الوجهة الأولى ل"المساء" قسم علم النفس بجامعة بوزريعة، حيث التقينا بالأستاذة حليمة تاعوينات، وهي أستاذة في علم النفس الاجتماعي وحول أهمية التحضير النفسي للطفل لاستقبال أخ أو أخت جديدة حدثتنا قائلة "عندما تدرك الأم أنها حامل لابد لها أن تنتبه جيدا إلى أنه يقع على عاتقها مسؤولية تحضير طفلها من خلال توعيته بالتطورات التي سوف تطرأ عليها، لا سيما وأن الطفل سريع الانتباه، خاصة عندما ينظر إلى بطن أمه ويلاحظ أنه ينتفخ، ولأن الأمر يثير اهتمامه فلابد على الأم أن تكون مستعدة للإجابة على كل تساؤلات ابنها، وينبغي أن تدرك أن ابنها إذا علم بمجيء شقيق له فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو أنه سيفقد مكانته ويتولد لديه شعور بالحرمان وقلة الحنان، ويظهر عليه ذلك من خلال قيامه ببعض السلوكيات السلبية كالتمرد والعصيان والتبول اللاإرادي". وعن الطريقة المثالية التي ينبغي للأم أن تتعامل بها مع الوضع حسب ذات المتحدثة هي عدم إهمال طفلها بالدرجة الأولى، والإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها بطريقة تناسب قدراته العقلية، كأن تجلب طفلا صغيرا إلى المنزل وتقول لابنها سوف يكون لك أخ أو أخت مثل هذا، ومن خلال حوارها معه تلاحظ السلوكيات التي تظهر عليه وتحاول أن تجد لها حلا، فقد يرفض هذا الحدث، لذلك على الأم البحث عن أسلوب آخر لتحبب ابنها في أخيه أو أخته المستقبلية، كونها عرفت ما الذي لم يعجبه في الطفل الذي جلبته إلى البيت، وبالتالي البحث عن أسلوب جديد لتحضره"، وتنصح تاعوينات الأولياء بضرورة الإكثار من المناقشة والتحاور بين الأم والطفل، كأن تجعله يختار ملابس أخيه المستقبلي أو اسمه حتى يحس بالاهتمام والمسؤولية. رغم التحضير النفسي لا مفر من التمرد يجمع علماء النفس أنه على الرغم من التحضير النفسي للطفل إلا أن هذا لا يعني أن الطفل لا ينبغي له أن يتمرد، أو أن تعتبر حالة العصيان لديه حالة مرضية، بل على العكس التحضير النفسي مهم للتقليل أو التخفيف من حدة الاضطراب لديه، وهو ما يؤكد عليه الأستاذ مصطفى باشن، أستاذ في علم النفس بجامعة بوزريعة إذ يقول "اذكر حول هذا الموضوع مقولة العالم ألفريد ادلار حين أشار إلى أنه من ضمن العوامل المهمة في نمو شخصية الفرد هو الترتيب الولادي" ويعني هذا أن الطفل الأول في العائلة يعتبر نفسه بمثابة المستولي على العرش، وبمجرد ظهور المولود الجديد يتولد لديه شعور بفقدان عرشه، وبالتالي تنشأ لديه مشاكل نفسية كالشعور بالنقص، في هذه اللحظة بالذات يجب على الوالدين التدخل في محاولة لتعويض هذا النقص من خلال اتباع منهج عدم التدليل أو الحماية الزائدة للطفل، وتجنب إهماله، كما أنه ينبغي للأولياء بعد دخول الطفل الجديد البيت أن لا ينزعجوا من تمرد ابنهم أو عصيانه، بل لا بد أن يحاولوا فهمه وأن يتعاملوا معه بطريقة عقلانية وموضوعية من خلال التواصل والإكثار من التحاور معه، لأن هذه المرحلة مهمة في حياة الطفل فإن لم يحسن الأولياء التعامل معها تنشأ بعض الآثار التي تظهر في سلوكه كالغيرة". اللجوء إلى التحايل على الطفل تجولت "المساء" في شوارع العاصمة بعد أن اتضحت لها أهمية التحضير النفسي للطفل من أجل سلامة شخصيته، وحاولت التقرب من بعض الأمهات لمعرفة مدى وعيهن بأهمية هذا الإجراء، وكيف كن يتعاملن مع أولادهن، فاستوقفنا السيدة جميلة، وهي أم لثلاثة أطفال، وحول الموضوع قالت "في الواقع لم أواجه مطلقا مشكلة مع أبنائي الثلاث، لأني كنت في كل مرة أحمل فيها ألجأ إلى إشراك ابني في كل الأمور المتعلقة بالمولود الجديد، فكنت آخذ ابني البالغ من العمر خمس سنوات معي إلى السوق ليساعدني في شراء ملابس لأخيه المستقبلي، وحتى وإن لم يكن اختياره يعجبني في بعض الأحيان ألتزم به حتى أحببه فيه، وحتى يشعر بنوع من المسؤولية اتجاهه كما كنت أحدث ابني كثيرا عن أهمية أن يكون له أخ يلعب معه". أما السيدة ليلى متزوجة وأم لبنتين أكدت لنا أنه لولا التحضير النفسي الذي كانت تقوم به عندما ظهرت عليها علامات الحمل لتعرضت ابنتها الكبرى البالغة من العمر خمس سنوات لمشاكل واضطرابات نفسية عويصة لأن ابنتها كانت مدللة وكانت كل طلباتها مجابة، وتعلق قائلة "لجأت إلى الحيلة لأجعلها تحب أختها، فأذكر يوم جئت بها للبيت اشتريت لها لعبة كانت تحلم بامتلاكها وهي "منزل فلة" وقلت لها وقتها إن أختها هي التي اشترتها لها، فتلك الهدية حببتها في أختها، ومن ناحية أخرى كنت حريصة جدا على عدم المبالغة في تدليل أختها أمامها، لأني كنت أعلم أن ذلك يثير فيها حساسية، وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى تعودت على أختها وأحبتها".