تطرّق المشاركون في الملتقى الدولي حول "الشعر والمحافظة على التراث الموسيقي" أمس بقاعة الموقار إلى علاقة الأشعار العربية القديمة بالإيقاعات الموسيقية وأبرزوا مدى ارتباط هذين الجزأين من التراث الثقافي غير المادي من حيث الجانب الجمالي والفني والإلقائي. وتعرض الباحث الجامعي عبد الحميد بورايو إلى قصيدتي "حيزية" للشاعر محمد بن قيطون و"غرود عالية" لشاعر مجهول، اللتان تعتبران مواد فلكلورية قديمة وبيّن من خلال هاتين القصيدتين علاقة الأداء الغنائي بالشعر الشعبي الجزائري والدور الذي لعبه الشعر الملحون في المحافظة على الطبوع الموسيقية. وإذ اعتبر قصيدة حيزية التي تروي قصة حب حزينة مليئة بالمعاناة بين العاشقين المتيمين سعيد وحيزية ب"طلسم الخلود" أشار الأستاذ بورايو إلى أن هذه الرائعة أداها مطربون بمختلف الطبوع الغنائية علاوة على الطبع البدوي أمثال رضا دوماز (الشعبي) وفرقة الروك "دزاير" ومحمد رضا (العصري). وبعد أن أظهر من خلال بعض الأبيات كيف يصف سعيد عشيقته حيزية وكأنّه يغازل إلاهة من آلهة الجمال الأسطورية، تطرّق الباحث إلى قصيدة "غرود عالية" التي تألق في أدائها المطرب عبد اللّه المناعي في قالب مناجاة نفسية لامرأة تروي وفاتها. ومن جهته؛ تحدث الباحث الأردني في تاريخ الموسيقى عبد الحميد حمام عن دور الشعر العربي في الحفاظ على أوزان الغناء قبل الإسلام وأشار في ذات الشأن إلى أن "الشعر العربي لعب دورا كبيرا في الحفاظ على أوزان الغناء قبل الإسلام وأعطانا ملامحها ودلالاتها الانفعالية، كما وضّح لنا أيضا بعض غنائنا المتوارث وكذا نسبه". وذكر بأن العرب قبل الإسلام كانت تنشد الشعر وتغنيه في كثير من المناسبات الحزينة منها والسعيدة، الاجتماعية منها والدينية ذاكرا على سبيل المثال بعض الإيقاعات التي كانت تستعمل كالأهازيج والرزج والنواح والمعيد. وأوضح أن الهزج هو "إيقاع خفيف يرقص عليه يتماشى مع الدف أوالمزمار" والرزج هو "إيقاع يستعمل لإبعاد الخوف قبل الإقبال على معركة" أما النواح والمعيد فهما "إيقاعان يستعملان لغناء الشعر الرثائي والحزين"، مؤكدا أن الشعر العربي القديم تمكّن من المحافظة على مختلف الإيقاعات الغنائية. أما الباحث والمؤلف الموسيقي السوداني عباس سليمان حامد السباعي، فقد تحدّث عن شعر "الدوباي" الشعبي وأثره على التراث الموسيقي في السودان وتعرّض إلى العوامل الاجتماعية ومقوّمات الفكر السوداني التي أسهمت في تكوين هذا الشعر الذي يرتبط بالغناء الديني والدنيوي ملخّصا المحطّات اللّغوية التي مرّ بها الشعر الدوباوي من الدارجة إلى العربية الفصيحة. ومن جهته؛ اعتبر الأستاذ بالمعهد العالي التونسي للموسيقى مراد صقلي أن "العلاقة بين النص الشعري وكسائه الموسيقي تطوّرت وتغيّرت بشكل ملحوظ" مشيرا إلى أنّ الهيمنة بينهما "تأرجحت بتأرجح تموقع الملحن فنيا واجتماعيا وفكريا وجماليا.