ألا ما أعجب شأن الكرة في بلادي! كنا نحسبها تسلية وتزجية للوقت، فإذا بها أكثر من ذلك وأكبر. قيل لي هذه الأيام إن تلاميذ المدرسة الموجودة بالحي الذي أسكنه أرسلوا دموعهم جميعا داخل الفصل الدراسي حين علموا بهزيمة الفريق الجزائري أمام فريق مالاوي. ولم أدهش، بل فرحت إيمانا مني بأن هناك شيئا يجمعنا في هذا البلد على الأقل بعد المقاتل والمجازر التي حدثت بين ظهرانينا خلال العقدين الماضيين. كما أنني لم أدهش من سلوك المصريين بعد هزيمة فريقهم أمام فريقنا العتيد، وذلك أنني اكتشفت مدى النفاق الذي أناخ بكلكله على ما كان يسمى أخوة وتضامنا وتطلعا مشتركا. وقد يقول قائل هذه هي حال الشعوب المتخلفة، ولنا أن نتقبل ذلك، إذ المهم في الأمر كله هو أن نعرف من جديد موقع أقدامنا فيما بيننا في هذا العالم. غير أن الكرة التي يتقاذفها الناس كلهم عبر الدنيا ليست كرة واحدة، لا ولا هي ذات مضمون واحد، بل هي كرات. لفرنسا على سبيل المثال كرتها وقوانينها وروابطها الاجتماعية والسياسية، ولإنجلترا صاحبة السبق في هذا المضمار كرتها أيضا وتقاليدها، وهكذا دواليك في العالم الذي يسمى متقدما. الكرة عند أمثالنا لعبة رياضية بقدر ما هي محرك سياسي واجتماعي قوي ينبغي أن نعيد النظر فيه، لا بغاية تغييره، بل لجعله عنصرا أساسيا في سلوكنا الاجتماعي والسياسي. والواقع الذي عشناه قبل فترة وجيزة في أثناء اللقاء الكروي بين الجزائر ومصر خير دليل على ذلك. وعليه، صار من واجب أهل السياسة عندنا أن يلتفتوا إلى هذا الجانب، وأن يجعلوه ضمن نشاطهم، فبفضله أدركنا ما يكنه الشعب الجزائري للعلاقات الأخوية القائمة بين أفراده. لقد ذهب الظن بالبعض إلى أن الجزائر لا تاريخ لها ولا سند، وجاء الجواب القاطع من الشعب نفسه، ومن الجيل الطالع بوجه أخص، حين خرج عن بكرة أبيه إلى الشوارع مزدهيا بالنصر الذي حققه فريقه الوطني. ولذلك لم أندهش حين قيل لي إن تلاميذ مدرستنا بكوا حزنا وأسى على إثر هزيمة فريقنا أمام مالاوي. الكرة على الرغم من جميع المفارقات في هذا الشأن، عنصر جوهري في وطنيتنا حتى وإن راح المرجفون يلقون بالكلام جزافا ظنا منهم أن الوطنية ما زالت مرتدية جلابيبها القديمة. ولم يا ترى، لا تتخذ هذه الوطنية لبوسا جديدا دون أن تنسلخ عن جلدتها الأولى؟ ولم يا ترى، نظل مشدودي الأنظار إلى سلوك الآخرين في العالم المتقدم كلما تعلق الأمر بتقاذف الكرة في مساحة صغيرة؟ أوليس من حقنا أن تكون لنا نظرتنا إلى هذه الحياة، وأن نجعل من الكرة جزءا أساسيا في حياتنا السياسية والاجتماعية ما دام البعض قد اكتفوا خلال العقدين السالفين بجز الرؤوس وتفجير البنايات ظنا منهم أن الحياة تعود إلى الوراء؟ ألا فلتعش الكرة ما دامت تعيدنا إلى أنفسنا وإلى وطنيتنا كلما أحدق بنا الخطر!