أمهلت محكمة الاستئناف بمرسيليا الحزب اليميني المتطرف 24 ساعة لسحب الملصق الانتخابي الذي اعتمده زعيمه العنصري جان ماري لوبان في حملته الانتخابية للمحليات، واحتجت عليه الجزائر لدى السلطات الرسمية الفرنسية لحمله الراية الوطنية. وجاء قرار المحكمة الفرنسية تبعا للشكوى التي قدمتها جمعيات مكافحة العنصرية التي اعتبرت الملصق معاديا للمسلمين والجزائريين، لا سيما مع ما تضمنه هذا الملصق العنصري الذي زعم انه شعار الشباب المنخرط في الحزب المتطرف في الانتخابات المحلية المقررة بداية من اليوم، من صور معادية للإسلام وللجزائر، حيث تظهر في الملصقة التي علقت على الجدران في جنوبفرنسا العلم الوطني الجزائري يغطي خريطة فرنسا وفوقه تنتصب سبع مآذن في شكل صواريخ، وأمامها صورة إمرأة ترتدي نقابا أسود وكتب على الملصقة "لا للأسلمة". ويلغي قرار محكمة النقض في مدينة مارسيليا الصادر مساء أول أمس قرارا أولا برفض الدعوة التي رفعتها الرابطة الدولية لمكافحة العنصرية ومعاداة السامية من أجل سحب هذه الملصقات المعادية للإسلام وللجزائر، واعتبرت محكمة مرسيليا في قرارها أن هذه الملصقات الاستفزازية تثير قلقا من شأنه أن يؤدي إلى شعور بالنفور والرفض إزاء مجموعة من الأشخاص تستهدف ممارساتهم الدينية وإزاء النساء والجنسية المشار إليها، كما أدانت بشكل صريح الجبهة الوطنية وزعيمها جان ماري لوبان الذي أمرته بسحب جميع الملصقات أيا كانت الأماكن التي علقت فيها وأيا كانت طبيعتها في غضون 24 ساعة مع دفع غرامة قدرها 500 أورو عن كل يوم تأخير. وكانت الجزائر قد عبرت على لسان وزير الخارجية السيد مراد مدلسي عن احتجاجها الرسمي إزاء هذا التصرف العنصري الصادر عن الحاقد لوبان، داعية الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ التدابير الضرورية والمتعارف عليها عندما تنتهك رموز دولة أجنبية. كما أدانت عدة تشكيلات سياسية وطنية وجمعيات المجتمع المدني تصرف الجبهة "العنصرية" الوطنية الفرنسية، مناشدة الحكومة الفرنسية تحمل مسؤوليتها إزاء هذا التصرف اللامسؤول. ويطرح تصرف الحزب العنصري الفرنسي في هذا الظرف بالذات أكثر من تساؤل، في ظل تنامي روح الوطنية لدى الشباب الجزائري المغترب بهذا البلد، ولا سيما بعد الالتفاف الكبير الذي عبر عنه الشباب ذوو الأصول الجزائرية حول المنتخب الجزائري لكرة القدم احتفالا بتأهله لنهائيات لكأس العالم، حيث لم يتوان هؤلاء في الخروج إلى شوارع المدن الفرنسية وساحاتها، وإعلان حبهم لوطنهم وتعلقهم بالعلم الجزائري، وهو ما رأى فيه بعض الفرنسيين العنصريين من أمثال زعيم حزب الجبهة الوطنية، تهديدا صريحا لجمهورية "المبادئ الثلاثة"، ولذلك جاء رده استفزازيا باستخدام ما زعم أنها قوة شبانية فرنسية داخل الحزب تدعو إلى نبذ أسلمه فرنسا وتنامي روح وطنية الجزائيين التي تهدد برأيه الهوية الفرنسية، مشككا في انتماء هؤلاء الشباب لفرنسا، حيث اعتبر بأنهم "فرنسيون على الورق فقط". ومن هذا المنطلق جاء رد وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد نور الدين يزيد زرهوني على تنامي حملة العداء الفرنسية ضد كل ماهو جزائري، ليؤكد بأن التفاف الشباب الجزائري حول وطنهم وغيرتهم على رايتهم الوطنية خيبت آمال العديد من الجهات العدوانية في فرنسا والتي كانت تتمنى وتتوقع اضمحلال الروح الوطنية عند الشباب الجزائري بمجرد اضمحلال جيل الثورة. ومن هذا المنطلق أيضا ترى بعض الأوساط أن قرار المحكمة الفرنسية بمنع نشر الملصقات الاستفزازية، أنقذ الموقف الرسمي الفرنسي الصامت إزاء ما أقبل عليه الحاقد لوبان، لا سيما في ظل بعض الخلافات التي وترت العلاقات بين البلدين على خلفية ملفات الماضي الاستعماري، ولجوء الخارجية الفرنسية مؤخرا إلى إدراج الجزائر ضمن قائمة البلدان التي تعتبر "مصدر خطر". غير أن الشعار الذي حملته ملصقة الحزب اليميني المتطرف والذي يدعو صراحة إلى التصدي لكل ما يرمز للإسلام واستعماله لصورة إمراة منقبة والمآذن المنتصبة في شكل صواريخ والمستخدمة كوسيلة للترهيب والتخويف من الإسلام، توحي أن الرسالة التي يريد هذا الحزب الفرنسي العنصري تسويقها أعمق وأخطر من أن تقرأ على أنها موجهة للجزائر فحسب، بل هي رسالة عداء للإسلام وللعالم الإسلامي برمته، وجاءت لتكرس الفكر العنصري المناهض للإسلام ولتغذية نزعة الإسلاموفوبيا الذي ظهرت أولى بوادرها خلال الاستفتاء السويسري حول المآذن، وذلك على اعتبار أن ملصقة الجلاد لوبان لا تختلف كثيرا عن الملصقة السويسرية التي أثارت هي الأخرى جدلا كبيرا وتطرح في الوقت الحالي عدة تساؤلات حول خطر تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم الغربي، وهذا بالرغم من المفارقة الغريبة التي صاحبت حملة لوبان العدائية، والمتمثلة فيما يبدو منافسة بين الحزبين حول الأفكار العنصرية، بعد أن اتهم الحزب السويسري نظيره الفرنسي المتطرف بسرقة أفكاره مهددا بمتابعته قضائيا!!.