أجمع باحثون جامعيون جزائريون أمس على أن القمة العربية المقبلة المقرر عقدها أواخر الشهر الجاري بالعاصمة الليبية طرابلس ستكون قمة الفرصة الأخيرة وامتحانا استدراكيا للدول العربية من أجل إدخال إصلاحات جذرية على طريقة عمل الجامعة العربية بعد أن ضيعت فرصة تحقيق ذلك خلال قمة الجزائر سنة 2005. وأبان هؤلاء الباحثون خلال مداخلاتهم في ندوة فكرية تحت عنوان "إشكاليات إصلاح الجامعة العربية" التي نظمها مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية على أن جامعة الدول العربية فقدت مصداقيتها وفعاليتها على المستوى الدولي بعدما تحولت إلى ملحق لوزارة الخارجية المصرية التي احتكرت منصب الأمين العام ورفضت فكرة تدويره على الدول الأعضاء الأخرى. ورغم تأكيدهم على ضرورة إصلاح الجامعة العربية إلا أن المحاضرين في الندوة تفادوا التطرق إلى الوسيلة الكفيلة بكسر الهيمنة المصرية على رئاسة الأمانة العامة من منطلق أن طرح هذا الموضوع في حد ذاته على طاولة الجامعة قد يؤدي إلى انفجارها والأفضل العمل بالمثل القائل "الحفاظ على ما هو موجود أفضل من فقدانه". وفي هذا السياق أكد الأستاذ مويسي بلعيد مدير مخبر الدراسات والبحوث لحقوق الإنسان بجامعة سطيف أن القمة العربية المقبلة تعتبر منعرجا حاسما بالنسبة للدول العربية لاستدراك الأخطاء السابقة خاصة بعد تضييع فرصة ما أتاحته قمة الجزائر. وكانت هذه القمة دعت إلى ضرورة تطبيق مبدأ التدوير على رئاسة الأمانة العامة من أجل فتح الباب أمام إدخال إصلاحات جذرية على المنظمة العربية التي بقيت سجينة ظروف نشأتها إلى يومنا هذا. ونفى الأستاذ بلعيد وفق مقاربته صفة المنظمة على الجامعة العربية لأنها تفتقد إلى الأسس الخاصة لإنشاء المنظمات بالمفهوم المتعارف عليه دوليا وفضل نعتها بمؤسسة ذات طابع إداري وبيروقراطي مبنية على التمثيل وليس على المشاركة والفعالية. وهو ما جعله يطالب بضرورة إلغاء اسم الجامعة والتوجه نحو إنتاج أفكار جديدة عبر إنشاء هياكل تتماشى ومتطلبات العصر الراهن تكون قادرة على مواجهة التحديات التي أوجدتها التغيرات التي طرأت على العالم منذ إنشائها سنة 1945. وهو نفس الموقف الذي أكده الأستاذ فرديو بلحاج من جامعة الجزائر الذي انتقد بشدة احتكار مصر لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بدعوى أنها الدولة التي تحتضن المقر. وقال إن استمرار هذا الوضع يشكل تهديدا لتواجد هذه المنظمة من منطلق أنها تتحول لخدمة بلد المقر من جهة ومن جهة أخرى أن عدم تحديد عهدة الأمين العام يبقي المنظمة مرهونة بمصالح ضيقة تخدم دولة المقر على حساب خدمة مصالح العالم العربي ككل. وفي سياق حديثه عن الدول العربية التي تطالب بالتدوير وهي الجزائر واليمن أكد هذا الأستاذ انه لا توجد أي مادة في ميثاق الجامعة تنص على أن يكون الأمين العام من دولة المقر كما جرت عليه العادة في تعيين أمين عام مصري دائما. والمفارقة أن هناك دولا تعارض فكرة التدوير رغم أن ميثاق الجامعة العربية نفسه يشير إلى إمكانية إحداث تغيير وإدخال إصلاحات وفق التطورات والمعطيات التي تشهدها كل مرحلة زمنية. وهو ما يطرح التساؤل عن السبب الذي يجعل بعض الدول الأعضاء ترفض هذه الإصلاحات في وقت أثبتت فيه الجامعة العربية بثوبها القديم غير المتجدد فشلها في إدارة العديد من الصراعات العربية وأكثر من ذلك أصبحت منبرا لإثارة خلافات ونزاعات بين أعضائها كرست حقيقة انقسام وتمزق الصف العربي. مثل هذه الوضعية المؤسفة جعلت الأستاذ قشي الخير من كلية الحقوق بجامعة سطيف يؤكد على حتمية إصلاح جذري للجامعة العربية بالنظر لعدة اعتبارات وعوامل داخلية وخارجية تلزم الدول العربية بالتكتل لمواجهة التحديات التي تواجهها من وضع اقتصادي هش وبطالة مرتفعة إضافة إلى تحديات خارجية من تكتلات اقتصادية وحتى عسكرية إقليمية. ورغم أن الأستاذ قشي الذي أعطى تقييما لعمل الجامعة العربية اعتبر أن هذه الأخيرة نجحت في بلوغ الهدف الذي أنشئت من أجله عام 1945 وهو بلوغ مستوى من التعاون والانسجام بين الدول العربية فانه أكد بأن هذا الهدف يبقى بسيطا ومتواضعا لأنه لم يرق إلى تطلعات الوحدة والأمن والدفاع بين الدول الأعضاء، وهي تطلعات أصبحت ضرورة في الوقت الراهن بالنظر إلى التغييرات التي طرأت على العالم منذ سقوط جدار برلين والتي أصبحت تستدعي إعادة نظر شاملة لكل هياكل وأساليب عمل الجامعة العربية للتوصل إلى منظمة بنفس مستوى المنظمات الإقليمية الأخرى على غرار الاتحاد الأوروبي.