خرج آلاف الفلسطينيين أمس في مسيرات حاشدة في مخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة وفي دول الجوار إحياء لذكرى يوم النكبة التي عرفت إقامة الكيان الإسرائيلي المحتل في فلسطين قبل 62 عاما رافعين شعارات أكدوا من خلالها حقهم في العودة إلى أرضهم المسلوبة بقوة الحديد والنار.ومع حلول يوم 15 ماي من كل عام ومنذ أكثر من ستة عقود تعود نفس الشعارات المتداولة من جيل إلى جيل لتأكيد الحق الفلسطيني في أرضه المسلوبة وعلى أنهم لم ينسوا ولن ينسوا رغم المحن والمكائد والتخاذل العربي والدولي الذي رهن قضيتهم لصالح محتل يهودي عنصري. وبنفس الشعارات التي تكرس هذا الحق وبمفاتيح منازلهم رمز ملكيتهم للأرزاق اغتصبت خرج الفلسطينيون للقول لكل العالم أن حق العودة منقوش في الذاكرة الجماعية الفلسطينية ولم يضع في سياق النكسات والانتكاسات والمذابح التي لحقت أصحاب الأرض الفلسطينية الذين يطالبون ويصرون على استعادة حقوقهم. وكانت سكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جباليا والنصيرات رمز اكبر عملية تهجير قسرية في تاريخ الإنسانية خرجوا في مسيرات احتجاجية لتوجيه رسالة واضحة باتجاه العالم وواضعي السياسة الدولية ومستقبل الأرض الفلسطينية أنهم لن يتراجعوا عن حقهم وبقناعة انه ''ما ضاع حق إلا ووراءه طالب'' وانه رغم الأجيال المتعاقبة فإن التمسك بهذا المطلب لن ينسى. وتحتفظ آلاف الأسر الفلسطينية التي هجرت تحت رعب وإرهاب جماعات الهاغانا والأرغون الصهيونيتين نهاية أربعينيات القرن الماضي بتواطئ مع دولة الحماية بريطانيا بمفاتيح وعقود ممتلكاتهم في حيفا والناصرة وبئر السبع والجليل الأعلى وكفر قاسم وتل الزعتر والقدسالمحتلة ومفاتيح منازلهم التي بقت ترفع بمثابة راية الجهاد من يد إلى يد ومن جيل إلى جيل للتأكيد على الحق المهضوم. ويسرد الفلسطينيون الذين عايشوا النكبة بتفاصيل دقيقة كل شبر من أرضهم وبكل زاوية من منازلهم التي تركوها فرارا وبحزن ودموع ما زالت تعاودهم كلما تذكروا تلك المشاهد المرعبة لكل تلاحقهم في حياتهم اليومية ليل نهار. ولأن النكبة واحدة ومعاناتها لم تكن تفرق بين توجهات هذا أو ذاك من الفلسطينيين فقد تقرر أمس تنظيم مسيرة بين حركتي فتح وحماس وكل فصائل المقاومة الأخرى في مدينة غزة في محاولة للتأكيد أن حق العودة حق لا يمكن لأي فلسطيني أن يحيد عنه ولأن المأساة واحدة ولا تفرق بين هذا أو ذاك. وفي غياب أي رد فعل عربي وحتى إسلامي قوي بخصوص هذه القضية الإنسانية فإن القرار الاممي 194 الذي يعمر هو الآخر منذ 62 عاما والذي يضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم المسلوبة بقي مجرد لائحة تضاف إلى مئات اللوائح الأممية التي أصدرتها ولم تتمكن من تجسيدها على ارض الواقع رغم أن المأساة ما انفكت تتفاقم والمتضررون منها في تزايد متواصل. والمفارقة أن ذكرى النكبة يأتي في وقت احتفلت فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بذكرى ضم القدس الشريف إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وفي وقت كثفت فيه إسرائيل من سياسة التهجير القسري وعمليات غير مسبوقة للاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية ضمن مخطط مدروس لتهويد ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية. ويبلغ تعداد الفلسطينيين الذين أرغموا على العيش في الشتات ومخيمات اللجوء في سوريا والأردن ولبنان ومختلف الدول العربية الأخرى قرابة خمسة ملايين فلسطيني مازالوا يصرون على العودة رغم سنوات الإبعاد ورحيل المبعدين الأولين ولكن الإصرار في تحقيق هذه الرغبة لم تنطفئ شعلتها وهي تتوقد كلما زادت إسرائيل من قراراتها التهويدية.