تنتهي بعد أيام قلائل الرحلة الصيفية التي قادت حوالي 120 طفلا من ولايات الوسط إلى مخيم الدواودة البحرية الذي أشرفت على تنظيمه جمعية مرضى الضغط لولاية الجزائر، ودام أسبوعين كاملين تمكن فيها الأطفال وأغلبهم أولاد المرضى المنخرطين في الجمعية، من الاستمتاع بالاستجمام والسهرات ومختلف النشاطات التربوية التي عمل على إنجاحها فريق تربوي متكامل، في انتظار آخر فوج يحل بالمكان قبيل رمضان الفضيل. يستقبل حاليا المركز المختص لمساعدة المعوقين ذهنيا بالدواودة البحرية ثاني الأفواج المقرّر استقبالها في إطار المخيمات الصيفية الموجهة للتلاميذ. ويتكون هذا الفوج من 120 طفلا منهم 35 بنتا، وتتراوح أعمار الأطفال من 7 سنوات إلى 15 سنة أغلبهم أبناء مرضى ارتفاع ضغط الدم الشرياني المنخرطين في الجمعية الجزائرية لمرضى الضغط لولاية الجزائر التي يرأسها السيد خير الدين مخبي الذي أوضح ل''المساء'' أن العاصمة تحصي لوحدها ما يفوق 5 آلاف مريض مصاب بهذا الداء الذي يوصف بالقاتل الصامت. الأطفال مقسمون على 9 أفواج يشرف عليهم 17 مؤطرا ويستمتعون ببرنامج 15 منشطا منهم 9 منشطات، فيما يصل عدد العمال المجندين لضمان راحة الأطفال وخدمتهم جيدا 20 عاملا. أما البرنامج الصيفي المسطّر لترفيه هؤلاء الأطفال، فهو متنوع بحسبما شرحه لنا السيد مداري قدور مدير المركز، إذ قال إن البرامج اليومية تتراوح ما بين السباحة صباحا إلى الزوال، وهي الحصة المحببة جدا للأطفال، ثم القيلولة بعد الغذاء ثم مختلف أنواع النشاطات كالرسم أو المسرحيات أو النزهات أو حصص الحكواتي أو حتى ألعاب تنافسية تنتهي بتوزيع هدايا رمزية على الفائزين. المخيم.. ملء الوقت وقتل الفراغ في الحقيقة، لا شيء أفضل من المخيمات الصيفية للأطفال خصوصا في ظل انعدام المرافق والفضاءات في الأحياء التي تسمح للأطفال بالاستمتاع بأوقات فراغهم الطويلة خلال العطل المدرسية، فالأطفال نادرا ما ينشغلون في أمور مفيدة خلال عطلة الصيف، وبدلا من أن يقضوا العطلة في النوم، والكسل والسهر والألعاب والممارسات غير المفيدة، فإنه من المهم أن يملأوا أوقات فراغهم بنشاطات مفيدة ومسلية، ولذلك تظهر أهمية المخيمات الصيفية التي تقسم أوقات الطفل في أعمال تربوية وترفيهية تشغل أوقات الأطفال بما ينفعهم ويسليهم وهو ما تؤكده الدكتورة ''ملاك سليمة'' جراحة أسنان مسؤولة عن الصحة والصيدلية بالمخيم إلى جانب زوجها الطبيب العام، وتضيف أنه منذ انطلاق الفوج الثاني في 17 جويلية لم يتم تسجيل أي طارئ صحي أو حالات غثيان أو تسممات باستثناء حالتين فقط لحمى زالت مباشرة بعد تلقي الطفلين للإسعافات الأولية. ومن بين هؤلاء طفل مصاب بالسكري الفئة الأولى لم يمكنه مرضه من التأقلم مع أجواء المخيم فعاد إلى أحضان أسرته بعد أيام فقط. وهناك أيضا حالة طفل مصاب بالصرع في ال14 سنة من عمره ''ولكنه متعايش مع مرضه ولم يسبب لنا أية متاعب'' تؤكد الدكتورة. في المخيم الصيفي يتعلم الأطفال أشياء مثل التناغم الاجتماعي، احترام الذات، المغامرة، القيم، الاستقلال والاعتماد على الذات، مهارات يدوية، بالإضافة إلى بناء علاقات ود مع معلميهم ومرشديهم مبنية على الاحترام المتبادل لدرجة أن كثيرا من المنشطين ارتبطوا عاطفيا ببعض الأطفال وعند نهاية المخيم تنهمر الدموع من عيون البعض منهم، هذا ما تؤكده المنشطة دويفي الياقوت التي كانت تؤطر ورشة رسم للذكور الذين اختار الكثير منهم رسم مناظر طبيعية كالغابات أو البحر والأسماك ويبدو ذلك بسبب تأثرهم بمكان المخيم الذي يتوسط غابة وولعهم بالبحر الذي يبقى ''الحب الكبير'' بدون منازع لهذه الفئة من المجتمع. الأطفال بساحة المخيم الواسعة كانوا مقسمين على 4 أفواج منهم فوجان اختارا ورشة الرسم وبقية الأطفال انقسموا لإجراء بعض المسابقات الرياضية الاستعراضية لصالح الصحفيين الذين زاروا المكان بدعوة من الجمعية الجزائرية لمرضى الضغط للعاصمة. ولحسن حظ الجميع أن الجو كان لطيفا بسبب التيارات البحرية كون مقر المخيم لا يبعد كثيرا عن الشاطئ من جهة ولوجود أشجار تضلل أوراقها المكان مثل شجرة خروب عملاقة موجودة عند المدخل لجأ القائمون على المخيم لجعل ساحتها مكانا لاستقبال المدعوين أو الزائرين من أولياء الأطفال الذين يأتون كل جمعة لزيارة أطفالهم والاطمئنان عليهم. زالمساء'' جلست مع بعض الأطفال وسألتهم عما يعجبهم في المخيم، فقال الطفل بن قويدر معاذ إبن 12 سنة الذي يزور مخيما صيفيا لأول مرة إن أهم شيء أعجبه هو الاستجمام اليومي والنشاطات الترفيهية المسائية. معاذ قال إنه من مدينة بابا علي غرب العاصمة الجزائر يمضي أيامه الصيفية طوال العطلة في التردد صباح كل يوم على مسجد الحي لدراسة وحفظ القرآن الكريم وفي المساء يلعب كرة القدم مع أقرانه، أما البحر فإنه يتردد عليه مناسباتيا أيام الجمعة إذا اصطحبه أخوه أو والده. كذلك أعجب الطفل بوعديمي عبد المجيد صاحب ال12 ربيعا بالاستجمام اليومي كما أن أكثر الأشياء التي بقيت عالقة في ذهنه -حسب نبرة كلامه وتأكيده- هي الاستقلالية التي تمنح للأطفال بالمخيم والتي تؤكد منشطته الياقوت أنها مقننة بعض الشيء حتى لا يشعر الأطفال بالملل. كما تؤكد أنها لم تواجه أي مشاكل في ضبط ''أطفالها'' تنظيميا لأنهم يمتثلون للأوامر تلقائيا. مسابقات لغرس الفطنة في نفوس الأطفال استغل مدير المركز وجود الصحفيين ليصطحبهم في جولة تفقدية في ربوع المخيم، حيث أوضح أن إدارة المخيم لجأت إلى وضع لجنة تراقب مراقد الأطفال لإبداء ملاحظاتها على نظافة المكان وفي نهاية التخييم سيتحصل صاحب أعلى علامة في التنظيم والنظافة على هدية. واعترف المدير بأن مراقد البنات أكثر تنظيما، إلاّ أن الملاحظ أن مراقد الذكور لا تقل من جهتها نظافة عن مراقد البنات. وتفننت البنات اللاتي تبلغ أكبرهن 13 سنة في تزيين أفرشتهن بشرائط وحتى وضع قارورات العطور بطريقة تزيينية أضافت لمسة أنثوية على المكان، أما الذكور فلم يتوان البعض منهم في تزيين جدران المرقد بالراية الوطنية مع تدوين أسفلها بعبارة ''معاك يالخضرا'' ولا نجد هنا ما نعلق به على هذا سوى القول هذه صورة مصغرة من التعلق الكبير بالمنتخب الوطني.. من ضمن القائمين على الوفد الذي أطلعنا على أجنحة المخيم، الشاب المنشط نجيب قريشي الذي يقوم على أداء العروض المسرحية والفكاهية كل ليلة. كان يبدو على نجيب التعب الذي يرده إلى السهر المتأخر كل ليلة. قال نجيب إنه عصامي ولا تقترن عروضه تلك على نص محضر مسبقا وإنما على الارتجال بعد اختيار فكرة معينة تحمل رسالة مهمة يريد غرسها في نفوس الأطفال، فحملت أغلب عروضه المسرحية في قالب فكاهي معاني حول احترام الوالدين واحترام الآخر، احترام الوقت، المحافظة على البيئة.. وأشياء أخرى كثيرة كما قال نجيب بلهجته ''البليدية''. ولم ينس الفكاهي أن يشير إلى قرب حلول شهر الصيام ليؤكد أن من ضمن أفكار عروضه المسرحية تلك التي تحمل معاني كبيرة حول فضل الصيام ومساعدة الفقراء. ومن جهة أخرى، أكّد المنشط أن عمله في المخيمات الصيفية سمح له باكتشاف الكثير من المواهب لدى الأطفال كالارتجال في الالقاء وإتقان الرقص بأنواعه العديدة كالقبائلي والنايلي والتاري وغيره وكذلك أصوات غنائية جميلة وحتى مبدعين في ألعاب السحر وخفة اليد مثلما اكتشفه في الطفل اسياخم عادل 14 سنة من مدينة زموري بولاية بومرداس شرق العاصمة، وهو الطفل الذي أوضح لنا أن سر إتقانه لبعض ألعاب السحر يعود لمتابعته لبعض تلك الألعاب عبر الفضائيات. ومن بين الألعاب السحرية التي عرضها الطفل بالمخيم لعبة إخفاء الأصبع، لعبة الخيط ولعبة الساعة وغيرها من اللعب التي أكّد عادل بشأنها أنها خلقت نوعا من التناغم بين الأطفال المتابعين ل''حصته'' المسائية لأن كل اللعب والخدع تعتمد على إخفاء شيء معين عند أحد الأطفال من الجمهور ويضطر الساحر الصغير إلى إيجاده من الوهلة الأولى عند من يخفيها من الأطفال..