لا يفوت الرئيس الفلسطيني محمود عباس أية مناسبة للتأكيد على موقفه الرافض لاستئناف المفاوضات المباشرة دون الحصول على ضمانات أمريكية واضحة لجعل إسرائيل تقبل بإعادة الحقوق الفلسطينية التي رهنتها الإستراتيجية الإسرائيلية لإفراغ عملية السلام من مضمونها. ويصر الرئيس محمود عباس في كل مرة على التأكيد أن قبول السلطة الفلسطينية بالدخول في هذه المفاوضات يجب أن يستند إلى مرجعية واضحة تلتزم إسرائيل من خلالها بضرورة الاتفاق على عدة نقاط جوهرية لمستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة بدءا بحدودها الدولية وأمنها ومصير عاصمتها القدس الشريف. وإذا كان إلحاح الرئيس الفلسطيني على مثل هذه النقاط الجوهرية أمرا مشروعا بل وضروريا على اعتبار أنه سيدخل مفاوضات مصيرية لكل القضية الفلسطينية فإنها جاءت لتؤكد في المقابل حالة التيهان التي وجدت السلطة الفلسطينية نفسها فيها بين مطرقة التخلي العربي عنها وسندان الضغوط الأمريكية المتزايدة لخوضها دون أن تضمن أدنى نتائجها. ويدرك الرئيس الفلسطيني أكثر من غيره حساسية الظرف الذي تمر به القضية الفلسطينية وقد أصبحت فعلا في منعرج حاسم وكل خطأ أو تخل عن أي من المبادئ سيكلفها الكثير وبتبعات لن تنمحي لأجيال. وهو ما يفسر درجة الصمود الذي يريد الرئيس عباس أن يبديه أمام ضغوط هؤلاء وتخلي هؤلاء عنه في وقت ما كان لهم أن يفعلوا ذلك لعله يحقق بعض المكاسب التي بدأت تضيع الواحدة تلو الأخرى في وقت تجني فيه إسرائيل مكاسب متلاحقة وبوزن استراتيجي. وهو وضع كان منتظرا منذ مدة ففي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يدخلون جولات المفاوضات السابقة بثقة عمياء في الراعي الأمريكي وقد أخطأوا في رهانهم كان الإسرائيليون إلى النقيض من ذلك يهيئون الأرضية لمثل هذه المفاوضات ولكن من خلال أمر واقع فرضوه على الأرض بعمليات استيطان غير مسبوقة وتهويد لكل شبر يتاح أمامهم في القدس الشريف وهدم ممنهج لممتلكات الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين وقد ساعدهم في ذلك صمت الإدارات الأمريكية التي لم تكن يوما إلى جانب الحق الفلسطيني. وبقدر ما يصر الفلسطينيون على هذه المرجعيات التي اعتبروها أساس هذه المفاوضات فإن ذلك يدفع إلى التساؤل حول قدرتهم على الصمود في وجه الضغوط الممارسة عليهم. وهي ضغوط ينتظر أن تزداد حدة خلال الأيام القادمة وهو ما لوح إليه الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي أكد أن الفلسطينيين ملزمين على قبول هذه المفاوضات قبل انقضاء مهلة السنة التي حددتها الحكومة الإسرائيلية لاستئناف الاستيطان. وهي في الحقيقة مهلة وهمية وضعتها الحكومة الإسرائيلية للقيام بأكبر وأوسع عمليات استيطان ليس فقط في المستوطنات اليهودية المزروعة في الضفة الغربية ولكن أيضا في القدس الشريف. بل إن أكبر المشاريع الاستيطانية تمت خلال سريان هذه المهلة والتي تريد الإدارة الأمريكية الإيهام بأنها مهلة فعلية رغم أن نائب الرئيس الأمريكي طعن في ظهره ومعه إدارته عندما زار القدسالمحتلة لبدء المفاوضات ولكن وجد نفسه أمام مشروع استيطاني بأكثر من 1600 وحدة جديدة في قلب القدسالشرقية. وأمام هذا الواقع المر فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم سواء تمسكوا بموقفهم أو رضخوا للضغوط أكبر الخاسرين في معادلة تفاوضية سيكونون فيها الرقم الأضعف وبالتالي تحمل تبعات ووزر من لا أوراق تفاوضية بين يديه.