ملتقى الجزائر يبحث "الثقافة الحضرية في المدن المغاربية الكبرى" التوسّع الحضري والمظاهر الجديدة التي تطرأ في كل مرة على الفاعلين، الضوابط وإجراءات التهيئة الحضرية، غيّرت أشكال ومسارات التعمير في المدن المغاربية الكبرى، وأنشأت بذلك ديناميكية قوية في مجال بناء تجمّعات سكانية في ضواحي المدن المغاربية، ولكن كيف يمكن أن ينتقل المواطن الذي يقطن في هذه الضواحي إلى الحداثة والعصرنة؟ وكيف يمكن له أن يواجه كل التوترات الناجمة عن العلاقة بين عوامل التجمع من جهة وعوامل التكيّف الفردي في هذه المدن الحضرية؟ وماذا عن الأحياء غير الشرعية التي مافتئت تنشأ هنا وهناك ويتحوّل بعضها إلى أحياء قانونية؟·· هي أسئلة حاول الملتقى العلمي "الثقافة الحضرية في المدن المغاربية الكبرى"، الذي اختتمت فعالياته أمس بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الإجابة عنها، وذلك في إطار برنامج البحث المشترك الفرنسي المغاربي "كيف تصنع المدن المغاربية الكبرى في ضواحيها؟"·
شارك في فعاليات الملتقى "الثقافة الحضرية في المدن المغاربية الكبرى"، أساتذة وباحثون من الجزائر، تونس، المغرب وفرنسا، ينتمون إلى المعاهد الأكاديمية المشاركة في البحث المشترك الفرنسي المغاربي "كيف تصنع المدن المغاربية الكبرى في ضواحيها؟"، الذي يدخل ضمن برنامج" صندوق التعاون الأولي" الذي قرّرته وزارة الخارجية الفرنسية وتسيّره دار العلوم للإنسان، بهدف تجنيد الأساتذة والباحثين حول مشاريع مشتركة في مجال العلوم الاجتماعية، وقد جرى الملتقى الأول في الرباط وناقش تأثير الإقليم على السياسات الحضرية، والملتقى الثاني كان في تونس حول "الحركات السكانية، استعمالات الحركية وتشييد الأقاليم في الضواحي"··· وفي هذا السياق قدّم الأستاذ لقجع عبد القادر مداخلة بعنوان "ضواحي وهران، نشوء ثقافة حضرية جديدة وإعادة تأسيس الرابط الاجتماعي"، وقال أنّ الأحياء الحضرية في ضواحي المدن المغاربية تشهد قيام دراسات وتجارب مخبرية كثيرة على مستواها، ممّا أدخلها في دوامة من التناقضات والشكوك، دفعتها إلى التأرجح بين التقدّم والعودة إلى الوراء· مضيفا أنّ الحياة في البناءات الحضرية تتطلّب التحلي بآداب معيّنة، لأنّ هذه الفضاءات تضمّ مجموعات قدمت من آفاق مختلفة ومتنوعة والتي ستقوم بتأسيس ثقافة حضرية جديدة، وإن كان تحقيق ذلك لا يتم إلاّ في خضم الكثير من الآلام والأوجاع· وانتقل الأستاذ إلى حال الأحياء القصديرية في ضواحي وهران، فذكر أنّ "حي الزرّاع" الذي كان يعتبر منذ زمن طويل أكبر حي قصديري في الجزائر كلّها، يضم حسب إحصائيات 1995، مائة وعشرين ألف نسمة وهو ما يعادل سكان مدينة كتلمسان سنة 1987، وشهد هذا الحي نزوح الكثير من سكان المناطق الأخرى بفعل ظاهرة الإرهاب والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، مما يدلّ على استقطاب التجمّعات السكانية الحضرية التي تقع في ضواحي المدن الكبرى لشرائح كبيرة من المجتمع· وما يميّز أيضا هذه الفضاءات حسب المتحدث، قيام البعض بتغييرات في ما يسمى" الحوش"، من خلاله تغييره للهيكل المعروف للحوش كبنائه لحمام مثلا· مضيفا أنّ قاطن هذه الفضاءات يجد صعوبات كبيرة في الحفاظ على فرديته من جهة وتأسيس روابط جماعية مع الجيران من جهة أخرى· من جهتها أكّدت الأستاذة صمود نورة في مداخلتها "المعاني الجديدة للحي، الأشكال الجديدة للثقافة الحضرية لضواحي شرق العاصمة"، أنّ الإشكالية التي تطرح نفسها بشدة وإلحاح في هذا الموضوع، تتمثّل في قدرة انتقال المواطن المقيم بهذه الفضاءات من المدنية أو الحضرية إلى الحداثة والعصرنة، وذلك من خلال تكيّفه مع العيش في هذا الإقليم واتباعه لمختلف الأنظمة والسياسات التي تطبق هناك، وكمثال على ذلك، تطرّقت الأستاذة إلى حي براقي وحي الكاليتوس القرويين اللذين احتويا منذ الاستقلال شرائح كبيرة من المواطنين، الذين عملوا في المصانع التي أنشئت في تلك المناطق، وفي الوقت الراهن تستقطب أناسا آخرين يصبون إلى تحسين ظروفهم الاجتماعية، وتشكّل بذلك أنواع مختلفة من الشرائح تقطن هذا الإقليم وهي شريحة القدامى وهي الطبقة العاملة، وشريحة القادمين الجدد الذين يتشكّلون في أغلبيتهم من المعلمين والأطباء الحكوميين وبما يسمى الطبقة الوسطى التي تعاني العديد من المشاكل، وهاتان الطبقتان استطاعتا تكوين نموذج اجتماعي حضري خاص· بالمقابل، تناولت المتحدّثة الظواهر الاجتماعية المميّزة للأحياء الحضرية، من بينها نشوء لجان الأحياء والجمعيات المختلفة والفرق الرياضية، وكذا بروز إرادات لتحسين الظروف الاجتماعية وحتى البيئية، بالإضافة إلى العمل على ملاءمة السكن حسب متطلبات الساكن، وذلك عبر إظهار الشخصية الثقافية والهوية الخاصة لذلك· أمّا الأستاذ التونسي، رضا لمين، فقد تناول في مداخلته "المدنية الهشّة والتسيير الحضري السيئ في الضواحي الجديدة لمدينة سوسة"، العجز الواضح في تأسيس الظواهر المدنية في ضواحي مدينة سوسة، والذي ينجم عن الصراع بين الأقاليم المتوارثة والأقاليم الخاضعة للبناء، والراجع أيضا إلى تباين في الطبقات المشكّلة لهذه الأقاليم، مما ينتج تنافرا بينها ما عدا على مستوى الفضاءات التي تجمع مختلف الفوارق كقاعات الشاي والمقاهي· وتطرّق الأستاذ إلى عامل المدنية الهشة والضعيفة التي تطفو على تصرّفات قاطني هذه الأحياء، وذلك من خلال قلّة عدم مشاركتهم في تسيير هذه الأقاليم وعدم ممارستهم لمدنيتهم هذه· مؤكّدا في السياق نفسه، أنّ التسيير السيئ والخاطئ للضواحي التي هي في طور النشأة، يجب أن يوضع قيد العلاقة بالفاعلين الاجتماعيين الذين يولدون الأشكال المختلفة للمدنية والمواطنة الهشتين· "الفضاءات التجارية الجديدة في الرباط، استعمالات، عرض والحضريات الجديدة"، هو عنوان مداخلة الأستاذ المغربي حرود طارق، الذي تحدّث عن إنشاء المتاجر في الضواحي التي تعرف انتشارا كبيرا منذ العشرية الأخيرة والتي أصبحت من أهم الفضاءات التي تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين، بحيث لا تمثل فقط أمكنة للبيع، بل هي أيضا فضاءات للالتقاء والتعارف وإنشاء علاقات اجتماعية وطيدة وبالتالي تشكيل مظاهر جديدة للثقافة الحضرية في الضواحي·